Mazid Fath al-Bari Bisharh al-Bukhari - Manuscript
مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط
Publisher
عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري
Publisher Location
https
Genres
وكان ابن عُمَر إذا سمعهم يقولون: العتمة صاح وغضب. وأخرج عبد الرزَّاق هذا الموقوف من وجه آخر عن ابن عمر.
و(العَتَمَة) -بفتح العين المهملة والتاء المُثَنَّاة من فوق- وقت صلاة العشاء الآخرة، وقال الخليل: هي بعد غيبوبة الشَّفق، وأَعتَمَ: إذا دخل في العتمة، والعتم: الإبطاء، يقال: أعتم الشيءَ وعتَّمه إذا أخَّره، وعتمتِ الحاجةُ وأعتمت إذا تأخَّرت.
قال شيخنا: ومعنى العتمة في الأصل: تأخير مخصوص، وقال الطَّبَرَاني: العتمة بقيَّة اللبن تغبق لها الناقة بعد هوي من اللَّيل، سمِّيت الصَّلاة بذلك لأنَّهم كانوا يصلُّونها في تلك السَّاعة، وروى ابن أبي شَيْبَة من طريق ميمون بن مِهْران قال: قلت لابن عُمَر: من أوَّل من سمَّى صلاة العشاء العتمة؟ قال: الشيطان.
واختلف السَّلف في ذلك، فمنهم من كرهه كابن عُمَر راوي الحديث، ومنهم من أطلق جوازه، نَقَله ابن أبي شَيْبَة عن أبي بكر الصِّدِّيق وغيره، ومنهم من جعله خلاف الأولى وهو الرَّاجح وسيأتي للمُصَنِّف، وكذا نقله ابن المنذر عن مالك والشافعي واختاره، ونقل القُرْطُبي عن غيره: إنَّما نُهي عن ذلك تنزيهًا لهذه العبادة الشرعيَّة الدينيَّة من أن يطلق عليها ما هو اسم لفعلة دنيويَّة، وهي الحلبة الَّتي كانوا يحلبونها في ذلك الوقت ويسمُّونها العتمة وذكر بعضهم أنَّ تلك الحلبة إنَّما كانوا يعتمدونها في زمان الجدب خوفًا من السؤال والصعاليك، فعلى هذا فهي فعلة دنيويَّة مكروهة لا تطلق على فعلة دينيَّة محبوبة. انتهى.
قوله: (وَقالَ أَبو هُرَيرَةَ) أي عبد الرحمن بن صخر، ترجمته في باب أمور الإيمان.
قوله: (عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أَثْقَلُ الصَّلاة عَلَى المُنَافِقِيْنَ العِشَاءُ وَالفَجْرُ. وَقالَ: لَو تَعلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالفَجْرِ).
قال شيخنا: شَرَع المُصَنِّف في إيراد أطراف أحاديث محذوفة الأسانيد كلَّها صحيحة في أمكنة أخرى، حاصلها ثبوت تسمية هذه الصَّلاة تارة عتمة وتارة عشاءًا، وأمَّا الأحاديث الَّتي لا تسمية فيها بل فيها إطلاق الفعل لقوله: أعتم النَّبِيُّ ﷺ، ففائدة إيراده لها الإشارة إلى أنَّ النَّهي عن ذلك إنَّما هو لإطلاق الاسم لا لمنع تأخير هذه الصَّلاة عن أوَّل الوقت، وحديث أبي هريرة المذكور وصله المُصَنِّف باللَّفظ الأوَّل في باب صلاة العشاء جماعة، وباللَّفظ الثَّاني وهو العتمة في باب الاستهام في الأذان، قال العَيني: والشهادات. وقد أباح تسمِّيتها بالعتمة أيضًا أبو بكر وابن عبَّاس ﵃، ذكره ابن أبي شَيْبَة. انتهى.
قوله: (وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ) أي البخاري نفسه، ترجمته في مقدِّمة هذا الشَّرح.
قوله: (وَالاختيارُ أَنْ يَقُولَ: العِشَاءُ؛ لِقُوْلِ اللهِ تَعَالى: ﴿وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ العِشَاءِ﴾ [النور: ٥٨]) قال الزَّين بن المنيِّر: هذا لا يتناوله لفظ الترجمة، لأن لفظ الترجمة يُفهم التسوية، وهذا ظاهر في الترجيح، قال شيخنا: لا تنافي بين الجواز والأولويَّة، فالشيئان إذا كانا جائزي الفعل قد يكون أحدهما أولى من الآخر، وإنما صار عنده أولى منه لموافقته لفظ القرآن، ويترجَّح أيضًا بأنَّه أكثر ما ورد عن النَّبِيِّ ﷺ، وبأنَّ تسميتها عشاء يُشعر بأول وقتها بخلاف تسميتها عتمة لأنَّه يُشعر بخلاف ذلك، وبأن لفظه في الترجمة
لا ينافي ما ذكر إنَّه الاختيار وهو واضح لمن نظره؛ لأنَّه قال: من كره، فأشار إلى الخلاف، ومن نقل الخلاف لا يمتنع عليه أن يختار. انتهى.
قال العَيني: لا نسلِّم أنَّ لفظ الترجمة يُفهم التسوية، غاية ما في الباب إنَّها تفهم الجواز عند من رآه، والجواز لا يستلزم التسوية.
قوله: (وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي مُوْسَى) أي الأشعري، ترجمته في باب أيُّ الإسلام أفضل.
قوله: (كُنَّا نَتَنَاوَبُ النَّبِيَّ ﷺ عِنْدَ صَلَاةِ العِشَاءِ، فَأَعتَمَ بِهَا) هذا التعليق وصله البخاري في باب فضل العشاء مطوَّلًا، وسيأتي بعد باب، ولفظه فيه: (وَكَانَ يَتَنَاوَبُ النَّبِيَّ ﷺ عِنْدَ صَلَاةِ العِشَاءِ كُلَّ لَيْلَةٍ نَفَرٌ مِنهْمُ فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ ﷺ أَنَا وَأَصْحَابِي وَلَهُ بَعْضُ الشُّغْلِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ فَأَعْتَمَ بِالصَّلَاةِ) الحديث، فإن قلت: هذا صحيح عنده، فكيف ذكره بصيغة التمريض؟ قال شيخنا: وكأنَّه لم يجزم به؛ لأنَّه اختصر لفظه، نبَّه على ذلك شيخنا الحافظ أبو الفضل، وأجاب به عمَّن اعترض على ابن الصَّلاح حيث فرَّق بين الصِّيغتين، وحاصل الجواب: أنَّ صيغة الجزم تدلُّ على القوَّة، وصيغة التمريض لا تدلُّ، ثمَّ بيَّن مناسبة العدول في حديث أبي موسى عن الجزم مع صحَّته إلى التمريض: بأن البخاري قد يفعل ذلك لمعنى غير التضعيف، وهو ما ذكره من إيراد الحديث بالمعنى، وكذا الاقتصار على بعضه لوجود الاختلاف في جوازه وإن كان المُصَنِّف يرى الجواز. انتهى.
قوله: (وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ) أي عبد الله، ترجمته في بدء الوحي.
قوله: (وَعَائِشَةُ) أي أمُّ المؤمنين، ترجمتها في البدء أيضًا.
قولهما: (أَعْتَمَ النَّبِيُّ ﷺ بِالعَتَمَةِ بِالعِشَاءِ) هذا التعليق ذكره بصيغة التصحيح، وحديث ابن عبَّاس وصله في باب النَّوم قبل العشاء، وهو الباب الرابع بعد هذا الباب، ولفظه فيه: قلت لعطاء فقال: سمعت ابن عبَّاس يقول: «أَعْتَمَ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ لَيْلَةً بِالعِشَاءِ حتَّى رَقَدَ النَّاسُ» الحديث، وأما حديث عائشة فوصله في باب فضل العشاء، ولفظه: عن عُرْوَة أنَّ عائشة أخبرته قال: «أَعْتَمَ النَّبِيُّ ﷺ لَيْلَةً بِالعِشَاءِ» الحديث.
قال شيخنا: حديث عائشة بلفظ: «أَعْتَمَ بِالعِشَاءِ»، فوصله في باب فضل العشاء من طريق عقيل، وفي الباب الذي بعده من طريق صالح بن كَيْسان، كلاهما عن الزُّهْري عن عُرْوَة عنها، وأما حديثها بلفظ: «أعتم بالعتمة» فوصله المُصَنِّف أيضًا في باب خروج النِّساء إلى المساجد باللَّيل بعد باب وضوء الصِّبيان من كتاب الصَّلاة أيضًا من طريق شُعَيب عن الزُّهْري بالسند المذكور، وأخرجه الإسماعيلي من طريق عقيل أيضًا، ويُونُس وابن أبي ذئب وغيرهم عن الزُّهْري بلفظ: «أَعْتَمَ النَّبِيُّ ﷺ ليلة بالعشاء، وهي الَّتي تدعو النَّاس العتمة» وهذا يشعر بأن السِّياق المذكور من تصرُّف الراوي. انتهى.
قوله: (أَعْتَمَ النَّبِيُّ ﷺ بِالعَتَمَةِ) أي أخَّر صلاة العتمة وأبطأ بها.
قوله: (بِالعِشَاءِ) بدل اشتمال من قوله: (بَالعَتَمَةِ) قال شيخنا:
1 / 86