Mawsucat Misr Qadima
موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي
Genres
ومن جهة أخرى نجد أن المدنية الأنيوليتية في الوجه القبلي معروفة بدرجة كبيرة، وتبتدئ بعصر البداري الذي جاء مباشرة بعد عهد «دير طاسا».
والبداري - كما ذكرنا - بلدة تقع بالقرب من «قاو الكبير» في إقليم أسيوط، وقد كشف فيها عن موقع أثري موضعه في التأريخ التتابعي الذي اخترعه «فلندرز بتري» بين 20-29، وهو أقدم تاريخ عرف إلى الآن في عهد ما قبل الأسرات، وقد عثر على الصناعات البدارية في بلاد النوبة.
أما العصر الذي يلي عصر البداري، فيطلق عليه العهد النقادي نسبة إلى بلدة «نقادة» القريبة من «قوص»، وقد قام بحفائر فيها الأستاذ «بتري» والمستر «كويبل» عام 1895، وأهم مواقع ما قبل الأسرات في الوجه القبلي طوخ، وبلاص شمالي الأقصر، ثم «ديوسبوليس برفا» بالقرب من نجع حمادي والعامرة، ونجع الدير والمحاسنة وبيت خلاف، وجرزة، وأبو صير الملق وحرجة عند مدخل الفيوم.
البداري:
كان أهل عصر البداري بحكم طبيعة البلاد زراعا للأرض، وذلك بعد أن انكمش الوادي وأصبح محاطا بالصحراء على كلا حافتيه، وكان إنسان البداري قصير القامة ضئيل الجسم طويل الجمجمة، ويمكن مشاهدة هذه الخواص في المصري الحالي الذي يظن أنه من نسلهم، والظاهر أنه كان يختلط بدمه بعض دم الزنوج.
وقرى هذا العصر كانت مجموعة من الأكواخ البيضية الشكل أو المستديرة، وكانت مصنوعة من مواد خفيفة مثل البوص والأخشاب، ولم نجد بينها المساكن التي تشبه بيوت أهل مرمدة بني سلامة، وهي التي كانت تحتوى على حجرات مقببة مصنوعة من الطين المعجون، وقد استعملها السكان غرفا للنوم. على أن هذا النقص في البداري قد يكون لمجرد الصدفة، ولكن من المحتمل جدا أنه يدل على أن هذا التقدم في بناء المساكن في الدلتا لم يكن قد أدخل على مباني الصعيد إلى هذا الوقت، وكان يوجد في وسط الكوخ حفرة تقوم مقام الموقد. أما المواد الغذائية فكانت تحفظ في سلة. وتدل الآثار التي عثر عليها في هذه الأكواخ على تقدم عظيم في أسباب الراحة، إذ كان أثاث المنزل يحتوي على حصير، بل وعلى أسرة من الخشب كانت توضع عليها وسائد من القماش أو من الجلد محشوة بالقش.
وقد أخذت أسباب الراحة في المساكن تزداد في خلال عصر ما قبل الأسرات، فمثلا في عصر ما قبل الأسرات القديم في بلدة «الحمامية»، كانت الأكواخ المستديرة الشكل لا تزال مستعملة بجانب المساكن البيضية الشكل المقامة من الطين المعجون، وتشبه ما عثر عليه في «مرمدة بني سلامة» وليس بينهما خلاف إلا أن كتل الطين التي بنيت بها مساكن الحمامية، كان لا يوضع بعضها فوق بعض مباشرة، بل كان بين كل صفين من كتل الطين رباطان من البوص، والظاهر أن حوالي التأريخ التتابعي 40 حدث تغيير في شكل الكوخ. إذ نشاهد أن البيت المستدير الشكل قد أهمل وحل محله الشكل المستطيل. وحوالي التأريخ التتابعي 45 لوحظ أن العشش التي كانت تقام من مواد خفيفة، أخذت مكانها العشش التي كانت تصنع من الطين المعجون، ويدل وجود الموقد في أحد الأكواخ في «حمامية» على أن هذا النوع من المساكن قد خلف النوع السابق.
وفي خلال عصر ما قبل الأسرات الحديث ظهر تقدم محسوس في فن البناء عثر عليه في الوجه البحري في محطة المعادي التي كشفها الأستاذ مصطفى عامر بك؛ إذ إن القرية التي أميط اللثام عنها في هذه الجهة تتألف من منازل ذات شكل مستطيل، وقد استعمل في بنائها الطوب المجفف أي اللبن، الذي خلف كتل الطين غير المنتظمة في الشكل، وقد كانت تستعمل دون أن تجفف ، وهذا التقدم العظيم في فن المعمار لا بد أنه قد حدث في الدلتا في خلال العصر الطويل الذي يفصل عصر مرمدة عن عصر ما قبل الأسرات الحديث، وهذه الفترة مجهولة لنا تماما في تاريخ الدلتا. أما مخازن القوم التي كانت تصنع أولا من سلات مجدولة تدهك بالطين بعد ذلك، فكان يستعمل بدلا منها في عهد المعادي أوان عظيمة الحجم مصنوعة من الفخار المحروق.
أما مقابر عصر بداية استعمال المعادن في الوجه القبلي، فأنها كانت تقام على مسافة من القرى كما كان الحال في العصر الحجري الحديث، ففي عهد البداري كان القبر لا يزال حفرة بيضية أو مستديرة الشكل، محفورة في الأرض نفسها على بعد بسيط دون أي كساء أو طلاء من الداخل. أما المتوفى فكان يكفن في حصير أو في جلد ماعز، وعادة كان يوضع في تابوت ويغطى بالأعشاب، وقد عثر بجانب بعض المتوفين على ملابسهم اليومية وحليهم، وكانت رأس الميت تستند على مخدة كأنما يريد النوم، وقد لوحظ أن وجهه كان متجها نحو القرية، وفي أغلب الأحيان كانت يده ترفع نحو فمه. وقد كان يوجد بجانبه إناء وبعض آلات من النحاس ومن الظران والعظم، وأحيانا وجدت لوحة من الأردواز لطحن التوتية مما يدل على أن تجميل العين والوجه كان شائعا، ووجدت في بعض قبور هذا العصر دمى تمثل سيدات صنعت من العاج أو من الطين، والظاهر أنها كانت تقدم هدية للمتوفى، وقد فسر بعض علماء الآثار وجودها بأنها تمثل إلاهات أو أنها تحل محل زوجة المتوفى في قبره.
والظاهر أن التابوت المصنوع من الخشب أو من الفخار لم يكن معروفا في مقابر البداري، ولكن من ناحية أخرى عثر على صندوق من القش المجدول مما يدل على أن الإنسان كان قد بدأ يفكر في هذا العصر في محاولة صنع تابوت ما، وتدل بقايا البوص التي عثر عليها في هذه المقابر أنه كان يقام فوق الجثة مبنى من المواد الخفيفة ليحميها من التراب الذي كان يهال على المتوفى بعد الدفن، وليكون له بمثابة غرفة تحت الأرض، وقد لوحظ أن كل قبر كان مستقلا عن الذي بجواره، ومن الأشياء الهامة التي عثر عليها في هذه المقابر الأمشاط المصنوعة من العاج، وكانت تزين بزخرفة، وكذلك عثر على دبابيس من نفس المادة كانت تستعمل لشبك الملابس، وعثر على خرز أنبوبي الشكل مصنوع من النحاس وعلى خرز مطلي بالمينا من حجر الكورتس ومن أحجار أخرى كلها كانت تلبس للزينة، أما أصداف البحر الأحمر فإنها كانت تستعمل في عمل الأحزمة والأسوار والقلائد.
Unknown page