164

Mawsucat Misr Qadima

موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي

Genres

سلطة حاكم المقاطعة الوراثية

أما الأمير «حاتي عا» حاكم المقاطعة فإنه لم يكن موظفا بل كان من علية القوم وأشرافهم، وكان يتسلم بالوراثة حكومة مقاطعة معلومة هبة له، وعلى ذلك كان أمير المقاطعة يرثها حقا مكتسبا، وكان من الضروري أن يكون من كبار رجال الملك حتى يتسلم إرث والده. وكان لا بد من أن يوافق الفرعون على هذا التعيين بمرسوم. وهذا المرسوم لا يشمل أمر تعيين فحسب، بل كذلك يتضمن إطلاق يده في ريع هذه المقاطعة. وكان يقام عند صدور هذا المرسوم احتفال، (يدشن) فيه الحاكم الجديد في حضرة أقرانه. ومنذ تلك اللحظة يصبح الحاكم الجديد مطلق التصرف في كل أمور المقاطعة ويحكم كيف شاء.

وكان أمير المقاطعة يقسم منطقة نفوذه بين أفراد أسرته كحكام قلاع أو نواب له، على أن يكون الفرعون هو الذي يصدر أمر تعيينهم. وقد أصبحت هذه الوظيفة وراثية في عهد الملك «دمزي با توي» من أواخر ملوك الدولة القديمة. (2) علاقة الفرعون بموظفيه

وفي عهد الدولة القديمة كانت علاقة الملك بموظفيه في بادئ الأمر علاقة فرد يؤدي واجبه، وفي مقابل ذلك كان الموظف يأخذ ما يقتات به ويحفظ كيان حياته. أما الموظفون أصحاب الكفايات فكانوا يوضعون في مناصب تليق بهم حسب أهمية كل منهم، وكان ذلك كل مكافأتهم. ولكن بعد زمن قليل أخذت محبة الملك لهم وعطفه عليهم يظهران بمظاهر أخرى، وبخاصة في منحهم مكافآت جنازية. وذلك أن المصري لما كان يعتقد أن الحياة في الآخرة مثل الحياة الدنيا مع الفارق في كون الثانية أبدية، فإنه كان في كل الأزمنة يرغب في أن يكون له قبر عظيم جميل مجهز بكل الأثاث المأتمي، وكان الفرعون في مثل هذه الأحوال يعطف على كبار موظفيه، فيمنح الفرد منهم تابوتا أو لوحة أو مائدة قربان. والواقع أنه كان من الصعب على موظف بسيط أن يقطع لنفسه من المحاجر النائية الكمية الكافية من الأحجار لبناء قبره، وأن يتعهد نقلها من المحجر إلى الجبانة، فكان الملك يقوم بهذا العمل، وقد كان ذلك أول عطف يظهره لخدامه. على أن الحصول على قبر جميل لم يكن كافيا بل كان من الضروري أن يضمن صاحب المقبرة استمرار الترحم على قبره، وإقامة الاحتفالات الخاصة به، مما حتم أن يكون للقبر دخل ثابت، جزء منه يوقف بوثيقة للمحافظة على الشعائر الدينية اللازمة لصاحب المقبرة، والجزء الآخر كان يقسم بين الكهنة الذين يقومون بالصلاة وإقامة الشعائر الدينية اللازمة. وقد كان الملك كذلك في هذه الناحية يعطي موظفيه «المقربين» أراضي كان القصد منها أن توقف للأغراض السابقة. وهذه المنح من الأرض كانت أحيانا عظيمة، على أن الموظفين لم يكونوا هم الطائفة الوحيدة الذي كانوا يتمتعون بكرم الفرعون، بل كان الكهنة كذلك يطلبون دخلا عظيما لمعابدهم. وكان من جراء ذلك أن الضياع الملكية أخذت في النقصان شيئا فشيئا، وبخاصة إذا علمنا أن معظم الأراضي التي كانت تمنح للمعابد بمراسيم كانت تعفى من كل أنواع الضرائب.

سبب انحلال الدولة القديمة

وهذا الانتقاص في أملاك الفرعون كان بداية انحلال السلطة الرئيسية من يد الملك. وإذا لم تظهر بوادر هذا الانحلال بشكل خطر في خلال الأسرة الخامسة فإن الحالة أصبحت تهدد بالخطر، وإذا أضفنا إلى ذلك استقلال حكام المقاطعات الذي كان في ازدياد علمنا السبب الرئيسي الذي من أجله سقطت المملكة المنفية في نهاية الأسرة السادسة.

الفصل الرابع

السلطة القضائية

لا نزاع في أن فكرة العدالة والحق كانت موجودة بين سكان القطر المصري منذ أقدم العهود، وقد كانت إلهة العدل تحمي المحاكم، ويقوم بأداء شعائرها القضاة، فمن ذلك يتضح أن العدالة كانت تمثل على شكل إلهة تعبد، يضاف إلى ذلك أن المصري كان منذ القدم يخاف عقبى الآخرة، يجتهد أن يعلم في دنياه ما يشعر بأنه ينتظر يوما يعاقب فيه على كل سيئة اقترفها أو ذنب ارتكبه. وقد عثرنا على وثيقة من عصر الملك «منكاورع» لأحد كبار موظفيه ورجال الدين، نرى منها أن هذه الشخصية وقفت موقفا تبرئ فيه نفسها مما لا بد كان يرتكبه غيرها من الآثام وأنواع الظلم في هذا العصر. وهذا العظيم هو «رمنو كا» كبير كهنة الملك «منكاورع» وكبير كهنة هرمه.

1

Unknown page