Mawsucat Misr Qadima
موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي
Genres
جاء بعد «نوسر رع» الفرعون «منكاوحر»، وكل ما نعرفه عنه أنه أرسل حملة إلى شبه جزيرة سينا غير أن نقوشها وجدت مهشمة في معظمها، وما بقي منها هو: «حور منخو» ملك الوجه القبلي، والوجه البحري «منكاوحر» معطي الحياة والثبات ... ومما يؤسف له جد الأسف أن اسم القائد الذي كان على رأس هذه الحملة وجد ممحوا، ولذلك لم نتمكن من معرفة اسم أول قائد حملة في التاريخ المصري إلى هذه الجهات، تجاسر أن ينقش اسمه بجوار اسم الملك، وكانت هذه الميزة وقفا على الفراعنة، ولكن بعد عهد هذا الملك أصبح القواد ينقشون أسماءهم بجانب اسم الملك على اللوحة التذكارية التي كانت تقام في هذه الجهات تخليدا لعملهم، ويوجد الآن في متحف اللوفر نقش غائر للملك «منكاوحر». عثر عليه في إحدى جدران مدفن السرابيوم بسقارة ومن المحتمل جدا أنه اغتصب من معبد هذا الملك الذي اختفى الآن جملة، والظاهر أنه لم يمكث على العرش أكثر من ثمانية أعوام. (5) الملك إسيسي
جاء بعد «منكا وحر» الملك «زد كا رع» (إسيسي) ولا نعرف صلة الرحم بينهما، والظاهر أن عصر «إسيسي» كان عصرا حافلا بالأعمال العظيمة، ففي عهده أرسل المستشار الملكي «با ور دد» إلى بلاد بنت «الصومال» القاصية، ومن هناك أحضر قزما من نوع نادر، وقد أدمج مع أقزام آخرين للقيام باحتفالات الرقص التي كانت تعمل للآلهة، وقد كان لهذا القزم الشرف كذلك بالرقص مع الأميرات ونساء القصر الملكي اللائي كن يقمن بوظائف الكاهنات في المحراب الملكي.
وعثر لهذا الملك في شبه جزيرة سينا على ما لا يقل عن أربعة نقوش في وادي مغارة. كتب على واحد منها: «ابن الشمس» مما يدل على التوغل في عبادة الشمس، وأن هذا اللقب أخذ يكثر استعماله، وأرسل كذلك حملة إلى بلاد النوبة كما يدل على ذلك النقش الذي وجد على صخرة «توماس»، ووجد كذلك نقش في وادي حمامات عليه اسم هذا الملك. أما النقش الذي يلفت النظر لهذا الفرعون فقد وجد في سينا، وقد جاء في مقدمته التاريخ كما كان يدون وقتها: «السنة التي تتلو المرة الرابعة لتعداد كل الحيوان، الكبير والصغير، عندما جعل الإله الحجر الثمين يوجد في المنجم السري، الذي هو لوحة بخط الإله نفسه، «حور زد خعو»، ملك الوجه القبلي والوجه البحري محبوب الإلهتين «زد خعو»، و«حور الذهبي» ... عاش أبديا. بعثة ملكية قام بها ضابط البعثة «ني عنخ خنتي خت» إلى المرتفع الذي يسمى الدهنج «ملخيت».» ويعد هذا الضابط أول قائد حملة معروف لنا نقش اسمه بجوار اسم الملك، وقد ظن بعض المؤرخين أن الحجر الثمين الذي يشير إليه في النقش هو حجر بلرم المشهور، ولكن هذا مجرد تخمين لا أساس له.
ومن الطريف أن «فتاح حتب» صاحب التعاليم المشهورة التي تعد أقدم ما وصل إلينا من حكم المصريين للآن، كان مربي الملك «إسيسي»، وقد أملى تعاليمه في شيخوخته وذلك لإعداد ابنه ليتولى بعده وظيفته في البلاط، وسنذكر هنا مقدمة هذه التعاليم لنبرز للقارئ السمو بالأسلوب المنمق لهذا الشيخ المسن، والميل الخاص عند الموظف المصري في هذه العصور للمحافظة على توارث الوظيفة بقدر ما تسمح به الأحوال: هكذا تكلم إلى جلالة الملك «إسيسي». قد حلت الشيخوخة ونزل هذيانها، وامتلأت الأعضاء آلاما وظهرت حالة الشيخوخة كأنها شيء جديد، وانمحت القوة أمام الهزال، وصمت الفم فلم ينطق، وغارت العينان وصمت الآذان ... والقلب كثير النسيان غير ذكر الأمس، والعظام تتألم من كبر السن، والأنف كتم وأصبح لا ينفس، والقيام والقعود سيان؛ كلاهما مؤلم، والطب أصبح خبيثا ، وكل ذوق قد ولى، وما يفعله التقدم في السن مع الإنسان هو أن يصير حاله سيئا في كل شيء، فمرني أن أصنع عكازا لكبر السن، ودع ابني يأخذ مكاني لأعلمه أحاديث من يسمعون، وأفكار من سلفوا، وهم الذين خدموا السلف في الأزمان الخالية، وليتهم يصنعون لك المثل حتى يتقى الشجار بين القوم، ويخدمك شاطئ النهر (أرض مصر). فقال جلالته: علمه أولا الحديث ... وليته يكون مثالا لأولادي العظماء، وليت الطاعة تكون رائده، ويدرك كل فكره صواب من يتكلم معه، وليس هناك ولد يحرز الفهم من تلقاء نفسه.
ولا نزاع في أن الملك «إسيسي» قد أجاب ملتمس «فتاح حتب» بعد كل هذه التوسلات، والتضرعات المؤثرة، وبذلك نال بغيته وسر؛ لأن الذي كان أعظم ما تصبو إليه نفسه في حياته ككل مصري، أن ينصب في وظيفة حكومية يتقاضى منها مرتبا ضخما ويتيه بها على أقرانه الذين لم يسعدهم الحظ بمثل ما أسعده.
ومن عظماء رجال هذا العصر الجديرين بالذكر «سنزم إيب»، وكان يشغل أعظم مناصب الدولة؛ إذ كان وزيرا وكبير المعماريين، وكبير القضاة، والواقع أنه كان أعظم رجل في عهد هذا الفرعون، وقد دون على قبره القريب من هرم «خوفو» ما ناله من الحظوة في عصر مليكه؛ منها خطاب كتبه بخط سيده، وسبب ذلك أن الملك طلب إلى «سنزم إيب» أن يعمل له تصميم بحيرة، فقام هذا المهندس بعمل تصميم بحيرة يبلغ طولها 1200 ذراع، فسر «إسيسي» من المشروع سرورا عظيما، وأرسل له خطابا يظهر فيه ارتياحه وإعجابه بكبير مهندسيه فيقول «سنزم إيب»:
إن جلالة الملك كتب بأصبعه نفسه ليثني علي لأني أنجزت كل عمل أمر بعمله جلالته بغاية الإتقان والكمال كما يريد قلب الملك أن يفعل له ، وقد كتب له الملك: إن جلالتي قد اطلع على خطابك الذي أرسلته لتخبرني وأن كل شيء قد تم من جهة المبني الذي يسمى محبوبة من «إسيسي» وهو الذي بني لأجل قصر «إسيسي» الذي يسمى «نهبت» وطولها 200 ذراع، وعرضها 221 ذراعا حسب الأوامر التي أعطيتك إياها ... حقا إنك «سنزم إيب» (فرح القلب) عندما أدخلت الفرح على قلبي «إسيسي».
وفي هذا الخطاب تورية بين اسم «سنزم إيب» وفرح قلب الفرعون.
وقد ذكر ابنه على مقبرة والده، أن الملك قد خصص له أوقافا أبدية، لأنه «سنزم إيب» وأنه أمر بإحضار تابوت له إلى مقبرته بالقرب من هرم «خوفو». والظاهر أن عظماء هذا العصر كان كل ما يحرصون عليه أن يدون بعدهم على قبورهم، التي كانوا يعتقدون ولو ظاهرا أنها أبدية، ما كان ينالهم من الملوك من الحظوة، وما قاموا به من جلائل الأعمال، مع بعض المبالغة أحيانا، وهذه الوثائق تكاد تكون مصدرنا الوحيد لتاريخ البلاد، وقد مكث «إسيسي» ما يقرب من 28 سنة على أريكة البلاد. (6) الملك وناس
يعتبر وناس في نظر التاريخ أنه آخر ملوك الأسرة الخامسة ومن أعظم ملوكها، وقد بقي قابضا على صولجان الملك حوالي ثلاثين عاما تقريبا، وتنحصر شهرته في نظرنا في هرمه الذي بناه في سقارة وقد وجدت حجرة دفنه التي فيها تابوته، منقوشة كل جدرانها بتعاويذ وصلوات دينية، كان الغرض منها أن تحفظ المتوفى في آخرته، وهذه هي أول مرة نجد حجرة الدفن في الأهرام مكتوبة بمتون دينية، وقد فتح «مسبرو» العالم الفرنسي باب هذا الهرم، وكذلك أبواب أهرام ملوك الأسرة السادسة، وهم «تيتي» و«بيبي الأول» و«مرن رع» و«بيبي الثاني»، وكلها في منطقة سقارة، وكان ذلك في عام 1881 أي بعد وفاة «مريت باشا» مؤسس المتحف المصري، وهذه المتون المنقوشة في حجر دفن هذه الأهرام متشابهة وتحتوى على آلاف من الأسطر، وقد ترجمها «مسبرو» العالم الفرنسي. ثم أعاد ترجمة معظمها حديثا العالم الألماني زيته، وتعد هذه المتون الآن الأساس الأكبر لمعرفة ديانة قدماء المصريين في عهد الدولة القديمة.
Unknown page