بالإيمان قالوا لفرعون لعنه الله: ﴿قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ ١.
واعلم أن حقيقة حال هؤلاء المشبهة أن الله تعالى أمر بقتال المشركين فقاتلوا معهم، وأمرهم بالبعد عنهم فآووهم وقربوا منهم، وأمر بمعاداتهم فوالوهم، وأمرهم ببغضهم فوادوهم، وأمرهم بأن ينصروا أهل الإسلام فاستنصروا بالكفرة عليهم، ونهوا عن مداهنتهم فداهنوهم.
ونهاهم عن كتمان ما أنزل الله من هذا وغيره فكتموه وشبهوا كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ ٢. وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ﴾ ٣ الآية. فجمعوا بين الكتمان والرد على من بين ولم يكتم، والتشبيه والجدال بالباطل، فتركوا ما أوجب الله عليهم وارتكبوا ما حرم عليهم. وهذا ظاهر جدا لا يرتاب فيه من له أدنى معرفة بالناس وما وقع منهم، فلا يأمنهم ويقربهم بعد هذه العظائم إلا من سفه نفسه.
شبهة استئجار أبي بكر لعبد الله بن أريقط والرد عليها
ولهم شبهة أخرى، وهي أن أبا بكر استأجر عبد الله بن أريقط في طريق الهجرة إلى المدينة وكان هاديا خِرِّيتا يدلهم على الطريق، فأحسن رسول الله ﷺ صحبته؛ فتكون صحبة العسكر وإعانتهم على المسلمين ونصرتهم لا بأس بها.
فيقال: (أولا): قد ذكرت في الشبهة التي قبل هذه أن رسول الله ﷺ قال: "أنا بريء من مسلم بين أظهر المشركين" ٤ وهذا يناقض ما استدللت به هنا، وحاشا رسول الله ﷺ أن يتبرأ من صاحب عمل وهو يفعله، ومثل هذا قوله: "من جامع المشرك أو ساكنه فهو مثله" ٥.
والآيات المحكمات صريحة في التحذير من موالاتهم ناطقة بالوعيد الشديد على موادتهم ونصرتهم، إذا عرف هذا فالفرق بين الدليل والمدعى أبعد مما بين المشرق والمغرب
_________
١ سورة طه آية: ٧٢.
٢ سورة البقرة آية: ١٧٤.
٣ سورة البقرة آية: ١٧٤.
٤ الترمذي: السير (١٦٠٤)، وأبو داود: الجهاد (٢٦٤٥) .
٥ أبو داود: الجهاد (٢٧٨٧) .
1 / 315