والمؤمنون- بحمد الله- لا يقعون فى هذا الإثم متعمدين، وإنما يتسلل هذا الإثم إلى بعض النفوس فى صورة لا شعورية، عندما يركز بعضهم على بشرية الرسول- صلوات الله وسلامه عليه- وكأنه لا شىء فيه غير البشرية.
ومن الغريب أنهم حينما يتحدثون عن البشرية، ويركزون عليها يعتبرون أنفسهم تقدميين متطورين، وفاتهم أن هذه النظرة لأبى جهل إنما هى النظرة التى يتبناها المستشرقون والمبشرون فى العصر الحاضر، ليقللوا من شأن الرسول فى نظر مواطنيهم.
وما كان المستشرقون فى تركيزهم على بشرية الرسول إلا متابعين فى ذلك زعيمهم الأكبر فى هذه النزعة- وهو أبو جهل. وكل من يركز على بشرية الرسول من الكتاب المسلمين إنما هو بذلك يتابع المستشرقين والمبشرين فى هذه النزعة، أو يتابع أبا جهل وهم فى ذلك ليسوا تقدميين ولا متطورين، وإنما هم من الرجعيين حيث ترجع فكرتهم إلى ما قبل ثلاثة عشر قرنا مضت، يتزعمهم فيها أبو الجهل كله، وأبو الظلمة القلبية كلها!!.
ليس هناك إذن اجتهاد وخطأ وصواب، وإنما هناك تصرفات تصدر عن الكرم والرحمة، فيتحدث الله مبينا طبيعة رسوله الكريمة، وفطرته الرحيمة ورأفته الواضحة، ويبين فى الوقت نفسه: أن بعض هؤلاء الذين فاضت عليهم هذه الرحمة ليسوا جديرين بها وليسوا أهلا لها لفساد فطرهم وسوء نواياهم.
من الحقائق المعروفة أن الإنسان يميل إلى التركيز على: «بشر» أو على: «يوحى إلى» حسب قوة شعوره الدينى وضعفه، فالذى لا إيمان له لا يرى إلا البشرية، ومن ضعف إيمانه يركز على البشرية. ويخفف التركيز على البشرية كلما قوى الإيمان، ويزداد التركيز على:
«يوحى إلى» كلما ازداد الإيمان، حتى يصل الإنسان إلى ألا يرى أو لا يكاد يرى إلا «يوحى إلى» .
صلوات الله وسلامه عليك يا سيدى يا رسول الله.
وهناك إذن طرفان يمثلان فريقين من الناس. طرف: «بشرا» أو، «قل: إنما أنا بشر مثلكم» .
وطرف: «يوحى إلى» أو «رسولا»، وبين الطرفين يتأرجح عدد لا يحصى من المسلمين نزولا وارتفاعا، انخفاضا وسموّا.
وأن مقياس الإيمان قوة وضعفا، مقياس درجة الإيمان الذى لا يخطئ، إنما هو ما وقر فى القلب أو غلب عليه، من البشرية أو من: «يوحى إلى» إنهما يمثلان ما يوضع فى كفتى ميزان.
دع ما ادعته النصارى فى نبيهمو ... واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم
ولعلك تتساءل الآن عن هذا الذى لا يرى أو لا يكاد يرى، إلا: «يوحى إلى» ماذا يرى؟ وكيف يرى؟.
ما هى النظرة التى تنأى بنا عن: «يتيم أبى طالب» لتقربنا من «الأسوة»؟ كيف ينبغى أن تكون نظرة المؤمن لرسول الله- صلوات الله وسلامه عليه-؟.
المقدمة / 10