قال: ولما تأملته وجدته كتابًا حسنًا قد وفَّى فيه الخطابة حقَّها، إلا أنه أخلَّ بشيء واحد، وهو أن مصر لم تفتح إلّا بعد أن قصدت من الشام ثلاث مرات، وكان الفتح في المرة الثالثة، وهذا له نظير في فتح النبي ﷺ مكة، فإنه قصدها عام الحديبية، ثم سار إليها في عمرة القضاء، ثم سار إليها عام الفتح، ففتحها.
ثم يقول: وقد سألني بعض الإخوان أن أنشئ في ذلك كتابًا إلى ديوان الخلافة معارضًا للكتاب الذي أنشأه عبد الرحيم بن علي ﵀، فأجبته إلى سؤاله، وعدَّدت مساعي صلاح الدين يوسف بن أيوب ﵀ فقلت ... إلخ.
إلى أن يقول: وعجب من عبد الرحيم بن علي البيساني، مع تقدُّمه في فن الكتابة، كيف فاته أن يأتي به في الكتاب الذي كتبه!؟
٢- قوله في ابن زياد الكاتب البغدادي: "وجدت لابن زياد البغدادي كتابًا كتبه إلى الملك الناصر صلاح الدين يوسف المقدَّم ذكره في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، وضمَّنه فصولًا تشتمل على أمور أنكرت عليه من ديوان الخلافة، فمن تلك الأمور التي أنكرت عليه أنه تلقَّب بالملك الناصر، وذلك اللقب هو لأمير المؤمنين خاصة، فإنه الإمام الناصر لدين الله. فلمَّا وقفت على ذلك الكتاب وجدته كتابًا حسنًا، قد أجاد فيه كل الإجادة، ولم أجد فيه مغمزًا إلّا في هذا الفصل الذي يتضمَّن حديث اللقب، فإنه لم يأت بكلام يناسب باقي الفصول المذكورة، بل أتى بكلام فيه غثاثة كقوله: "ما يستصلحه المولى فهو على عبده حرام"، وشيئًا من هذا النسق، وكان الأليق والأحسن أن يحتج بحجة فيها روح، ويذكر كلامًا فيه ذلاقة ورشاقة".
قال: وحضر عندي في بعض الأيام بعض إخواني، وجرى حديث ذلك، فسألني عمَّا كان ينبغي أن يكتب في هذا الفصل، فذكرت ما عندي، وهو: ... إلخ.
إلى أن يقول منبهًا القارئ إلى ما وفِّق إليه، وموازنًا بين نفسه وابن زياد: "فانظر أيها المتأمِّل كيف جئت بالخبر النبوي، وجعلته شاهدًا على هذا الموضع، ولا يمكن أن يحتج في مثل ذلك إلّا بمثل هذا الاحتجاج، وما أعلم كيف شذَّ عن ابن زياد أن
1 / 8