وتموج طنطا بالوفود، وتعج بالآمين بيت الطاغوت الأكبر من كل حدب، ويجلس الشاب في حلقة يذكر فيها الصوفية اسم الله بخنات الأنوف، ورجات الأرداف، ووثنية الدفوف، وثمت يسمع منشد القوم يصيح راقصا: "ولي صنم في الدير أعبد ذاته" فتتعالى أصوات الدراويش طروبة الصيحات: "إيوه كده اكفر، اكفر يا مربي" ويرى الشاب على وجوه القوم فرحا وثنيا راقص الإثم بما سمعوا من المنشد الكافر، فيسأل شيخا ممن وفدوا من أهل قريته: يا سيدي الشيخ، ما ذلك الصنم المعبود؟! فيلزم الشيخ شفتيه، ثم يجود على الشاب الواله الحيرة بقوله: "إنته لسه صغير"!! ويسكت الشاب قليلا، ولكن الكفر يضج في النعيق، فسيمع المنشد يقيء "سلكت طريق الدير في الأبدية" "وما الكلب والخنزير إلا إلهنا" ويطوي الشاب نفسه على فزع وعجب يسائل الذهول: ما الكلب؟ ما الخنزير؟ ما الدير؟ وأنى للذهول بأن يجيب؟! ولقد خشى أن يسأل أحد الشيوخ ما دام قد قيل له: "إنته لسه صغير" ثم إنه رأي بعض شيوخه الكبار يطوفون بهذه الحمآت يشربون "القرفة" ويهنئون الأبدال والأنجاب والأوتاد بمولد القطب الغوث سيدهم السيد البدوي.
وتكفن دورات الفلك من عمر الشاب سنوات، فيصبح طالبا في كلية أصول الدين، فيدرس أوسع كتب التوحيد-هكذا تسمى- فيعي منها كل شيء إلا حقيقة التوحيد، بل ما زادته دراستها إلا قلقا حزينا، وحيرة مسكينة.
ويجلس الشاب ذات يوم هو وصديق من أصدقائه مع شيخ صوفي أمي. فيسألهما عن معاني بعض تهاويل ابن عطاء الله السكندري "إرادتك التجريد مع إقامة الله، إياك في الأسباب من الشهوة الخفية، وإرادتك الأسباب، مع إقامة الله إياك في التجريد، انحطاط عن الهمة العلية". ويحار الطالبان، ولا يدريان بم يجيبان هذا الأمي عن هذه الحكم المزعومة -وقد عرفا بعد أنها تهدف إلى تقرير أسطورة
1 / 5