293

في الحقيقة الطبيعية الآلية

الحقيقة الطبيعية الآلية هي كل معلوم يحتوي في طبيعته عمل الآلات الصناعية، وهذه الحقيقة تقوم إما بالإسناد، أو بإضافة السبب إلى مسببه، أو بنعته به، أو بغير وجوه. كما لو قيل: الكهرباء ممزقة، أو زلزلة كهرباء، أو تكسير كهربائي. فلما كانت الكهرباء تحوي في طبيعتها هذه الأعمال الآلية، وهي التمزيق والزلزال والتكسير، كان كل من تلك الأمثال حقيقة طبيعية آلية.

في الحقيقة الطبيعية العضوية

إن هذه الحقيقة هي كل معلوم يؤخذ من حصول مؤثرات وتأثيرات بين الطبايع العضوية، وذلك كما إذا قيل: الخمر مهيج، والأفيون مسكن، والنور منبه. فإن كل ذلك تراه حقايق طبيعية عضوية، مأخوذة مما يشاهد من تأثير طبيعة الخمر على طبيعة الأعضاء بالتهيج، وهكذا الأفيون والنور بالتسكين والتنبيه. وعلى ذلك تجري كل حقيقة طبيعية عضوية إما بالإسناد كقولك: الخمر مهيج، أو بالإضافة كقولك: تسكين الأفيون، أو بالوصفية كقولك: تنبيه نوراني، أو بغير وجوه.

في الحقيقة الطبيعية الجوهرية

إن الحقيقة الطبيعية الجوهرية هي كل شيء يقوم في ذاته بدون أن يكون عارضا عن غيره، وذلك كما إذا قيل: هذا ذهب، فإن الذهب جوهر قايم في ذاته غير عارض عن شيء آخر، وهكذا في قولك: إنسان، وحيوان، وشجر، ونحو ذلك.

في الحقيقة الطبيعية العرضية

إن هذه الحقيقة هي كل أمر يعرض عن غيره ولا يكون موجودا بذاته، فيكون عكس المتقدم. وذلك كالثقل والبرودة والظلمة، فإن الثقل ليس له وجود ذاتي في الطبيعة بل هو أمر يعرض عن جاذبية الأرض للأجسام التي على سطحها، وهكذا البرودة والظلمة، فالأولى تعرض عن ذهاب الحرارة، والثانية عن ذهاب النور؛ ولذلك فالثقل والبرودة والظلمة هي حقايق طبيعية عرضية.

كلام على ما تقدم

لما كان مدار الحقايق الطبيعية يقوم على المعلومات الوجودية الخاضعة للإدراك الحسي والعقلي، كانت منزلتها أعلى من منزلة الحقايق الأدبية التي لا تدور إلا على التصديقات التصورية الخاضعة لأحكام العقل الهفوي وأوهامه بدون علاقة مع أحكام الحس المعصوم. وهكذا فالحقايق الطبيعية تشتمل على الصحة والقبول بديهيا غير محتملة ما تحتمله الحقايق الأدبية من النضال والجدال والقبول والرد، فلا يسع العين إنكار وجود النور، ولا تحتمل الأذن جحد رنين الأصوات، ولا يمكن الشم رفض وجود الروائح، ولا يطيق الذوق نفي الطعم، ولا يستطيع اللمس جهل الملموسات؛ ولذلك فأصحاب الحقايق الطبيعية لا يختلفون في أحكامهم إلا عرضيا لأنهم لا يأخذون أحكامهم إلا من طبيعة المحكومات الراهنة، ولا يقبلون حقيقة ما لم تقم لهم الحجة على صحتها من نفس طبيعتها، ولا يبنون براهينهم إلا على المشاهدة والعيان، فتكون كل قضاياهم أوليات أساسية، بحيث لا يحفلون أصلا بما تحتفل به تصورات العقل وتبتدعه أغراض الأوهام.

Unknown page