الركن الثالث(في الولاية والبراءة وما يشتملان عليه وما يتولدان منه أي يتسببان منه كالوفاء بالطاعة سبب للولاية، وارتكاب الكبيرة سبب للبراءة، والمراد بقوله وما يشتملان عليه كأقسامهما وأحكامهما وأحكام الولي والعدو، والوقوف عمن لم يعلم منه خير ولا شر فإنهما مشتملتان عليه، وبيان اشتمالهما على الوقوف أن الولي من علم منه الوفاء، والعدو من علم منه الإخلال بشيء من الواجبات الدينية، فالأول محل للولاية والثاني محل للبراءة، فبقي الكلام هل هما نقيضان لا يرتفع أحدهما إلا بوجود الآخر أو ضدان يرتفعان ولا يجتمعان؟ فذكر الوقوف في ركنهما إشعار بأنهما ضدان يرتفعان عن شخص لا تعلم حاله فيجب فيه الوقوف، ولا يجتمعان في شخص واحد في حال واحد، وإنما قلنا في حال واحد لأن الشخص قد يكون وليا في حال عدوا في حال آخر، فعلم من هنا أم محل الولاية والبراءة أحوال المكلف، فهي موضوع هذا العلم أي فأحوال المكلف هي موضوع علم الولاية والبراءة وحده هو العلم بأحوال المكلف التي يعلق بها الخطاب الشارع، فخرج بأحوال المكلف أحوال غيره كالبهائم ونحوها، ولا يخرج بالقيد بالمكلف الملائكة فإنهم مأمورون منهيون فهم مكلفون بمعنى أنهم ملزمون للأوامر والنواهي، وهو معنى التكليف فإنه وإن فسر بإلزام الله العبد ما على النفس فيه مشقة فلا يستلزم وجود تلك المشقة في كل مكلف بل يكفي اعتبارها في جملة المكلفين ولا الصبيان فإن ولايتهم تبعية أي بالتبع لآبائهم فأحوال آبائهم هي المعتبرة، ولا شك أن آباءهم مكلفون هذا على القول المشهور، أما على القول بأن جميع الأطفال في الولاية فإنما هو بالنظر إلى حالهم حيث أنهم لم ينقضوا الميثاق الذي أخذه الله عليهم، ولا المجانين فإن العلم بحالهم قبل الجنون وهو المعتبر هنا، فهم أولياء وأعداء باعتبار حالهم الأول وخرج بالأحوال التي تعلق بها خطاب الشارع الأحوال التي لم يتعلق بها ذلك، كالأعراض والألوان من أحوال المكلفين أيضا لكن لم يتعلق بها خطاب الشارع فانطبق الحد على المحدود.
Page 198