ولما جاء المساء أولمت في قصر بكنهام وليمة فاخرة لنحو أربعمائة ضيف من هؤلاء الملوك والأمراء والكبراء، وتلا الوليمة مرقص بهي حضره نحو ثلاثة آلاف نفس من نخبة أهل الأرض ظلوا إلى الساعة الثانية بعد منتصف الليل في تفتل وتمايل وقصف وسرور، وأمراء الدولة الإنكليزية بينهم يلاطفون الجميع، كل هذا ومدينة لندن في زينة من الأنوار تبهر الأبصار، وقد قام قائم المصابيح والأشعة الكهربائية في كل جانب، وظهرت صورة الملكة وشعارها والدعاء لها وسني حكمها 1837-1897 بالمصابيح الصغيرة المختلفة الألوان، فكنت ترى شوارع لندن كلها زينات وراء زينات، فكأنما أنت في أرض مسحورة تنتقل من آية في الجمال إلى آية، وقد ازدحمت جماهير الخلق في تلك الميادين الواسعة والشوارع الفسيحة؛ فضاقت بها الأرض على رحبها وجعل الناس يمشون كتفا لكتف وهم بحر زاخر لا يعرف له أول من آخر، ولكن هذا الازدحام العجيب لم يحدث قلقا ولا اضطرابا فإنه مر على لندن ثلاثة أيام بلياليها، وهي في ضجة وحركة ما لهما مثيل وتزاحم بين الناس لم يروا له في تاريخ الأعياد الكبرى نظيرا، وما أنتج ذلك شرا ولا شكا أحد عاقبة سوء، بل إن الأفراح عمت وآيات السرور قامت في كل جانب، ولم يقتصر ذلك على دور الحكومة والبنايات العمومية، مثل إدارات الصحف وبنك إنكلترا وشركات التأمين والمحطات وغير هذا، بل إن الزينة تناولت بيوت الخاصة والعامة، والفرح تشارك فيه الرفيع والوضيع.
هذا كله في لندن وأما في الجهات الأخرى فإن مدن إنكلترا والهند والمستعمرات الإنكليزية كلها اشتركت في هذا الاحتفال، وحيثما وجد إنكليز في الأرض فهم نظموا لجنة تأتي ما يدل على اشتراكهم في ذلك العيد العظيم، وكان من آيات هذا الاحتفال في إنكلترا أنهم استعرضوا الجيوش الإنكليزية في ضواحي لندن وفي أولدرشوت وسواها من المواقع العسكرية، وكان تقاطر الألوف لمشاهدة هذه الاستعراضات عجيبا ولا سيما حين استعرضت الفرق التي جاءت من المستعمرات الإنكليزية، وهي من كل جنس وملة، وأهم من هذا كله استعراض الأسطول العظيم في سبتد، وقد جعلوه خاتمة الحفلات دلالة تباهي الإنكليز بقوتهم في البحر، وكان ذلك الأسطول مركبا من 165 قطعة حربية، وهو عدد هائل وقد تيسر للدولة الإنكليزية أن تستعرض كل تلك البوارج والمدرعات والطرادات والنسافات بدون أن تفصل باخرة واحدة من بواخرها الحربية عن مركزها، فإن أساطيل إنكلترا في البحار البعيدة بقيت كلها على حالها وجمع مع ذلك هذا العدد الوفير فاتضح للجميع حينئذ أن قوة إنكلترا في البحر لا تجارى ولا تبارى، وقد ذهبت إلى سبتد لمشاهدة هذا الأمر المدهش مع ألوف سواي أعدت لهم قطارات خاصة قامت من لندن، حتى إذا وصلت هذه القطر بمن فيها انتقل الركاب إلى بواخر بحرية دخلت أنا واحدة منها عظيمة الاتساع اسمها مارغريت، فكنا كلما دخل الواحد هذه الباخرة يعطى رسما طبع فيه شكل البوارج المزمع استعراضها مع أسمائها وطرزها ومدافعها ومركزها بين تلك الصفوف، وذلك بأنهم رقموا على كل باخرة نمرة أوضحوها في ذلك الرسم تسهيلا للاستدلال، وكانت تلك الباخرات راسية في البحر صفين عظيمين امتدا مسافة 25 ميلا فمخرت باخرتنا بين الصفين وجعلت تسير ساعتين ونصفا حتى وصلت آخر الصفوف، ثم عادت فلزم لها ساعتان ونصف أيضا. وأما عن عظمة ذلك المشهد الغريب فلا تسل؛ لأننا كنا بين جبلين أو صفين من القلاع الحصينة طفت على وجه الماء، وقد زاد على قوتها الهائلة حسن تنسيقها وجمال منظرها وما فيها من عدة وسلاح، وهي لو جمع مقدار المال الذي أنفق عليها لبلغ 40 مليون جنيه أو يزيد، وزاد المنظر رونقا أن الدول الأخرى أرسلت كل دولة منها بارجة حربية لتشهد هذا الاستعراض، فكنا نخترق صفوف هذه الرواسي، وكلما دنت باخرتنا من إحداها هتف الركاب مسلمين على ضباط تلك البارجة وبحريتها، وهم وقوف بالهيئة الرسمية على ظهور بوارجهم، ويتبادل القوم الهتاف فرحين حتى أتينا على آخر الصف، وعدنا وفي النفس من وقار ذلك الاستعراض شيء كثير. ولما انتصف النهار صدر لهذه البوارج جميعها من مركز القيادة العامة إشارة، فأطلقت كل بارجة 60 مدفعا إشارة إلى مرور 60 عاما على حكم الملكة فكتوريا، فكان لقصف المدافع دوي هائل تقلقلت له الرواسي وطبقت به جوانب الأرض، وعدد المدافع التي أطلقتها كل هذه القطع الحربية في تلك الساعة 99000 وكأنما هذا كله لم يكف القوم حتى إنهم أبقوا لنا أفخر أشكال الزينة برمتها إلى الليل حين أضاء الفضاء بما سطع من أنوار البوارج الكهربائية، فإن قطع الأسطول كلها أنيرت في لحظة واحدة على حين غرة، فظهرت الباخرات كأنها شعلة من نار وقد ترقرق الماء من تحتها واتضحت جميع أجزائها، وظهرت آيات البهاء كلها، فما رأيت دهري أجمل من منظر ذلك الأسطول العظيم وهو لابس حلته الكهربائية، وكان النائب عن جلالة الملكة في هذا الاستعراض ولي عهدها الملك الحالي.
وظل الفرح قائما على مثل هذا في سبتد حتى ولى الليل وعدنا في الصباح التالي إلى لندن في قطر خاصة، وكان عمال القطار يهتمون لراحة الصغار والكبار اهتماما يذكر لهم مع الشكر، فإنه مع كل هذا الازدحام الهائل لم يشك أحد الناس تعبا أو مللا، وهذا شأن الموظفين في سكك الحديد من الإنكليز في أعيادهم ومواسم سباق الخيل والأيام الكبرى يتعبون؛ ليستريح المسافرون ويعودوا إلى منازلهم وهم مثل أفراد العائلة الواحدة، عمهم السرور وشملهم الأمن وظهرت عليهم آثار الراحة والارتياح شأن القوم الذين ترقوا في مدارج الكمال وأعدت لهم كل وسائل الراحة والهناء، وقد حضرت من بعد هذا أشكالا كثيرة من الاحتفال بيوبيل الملكة، من ذلك أنهم مثلوا رواية في مرسح الهمبرا بلندن - وهو من مراسحها العظيمة - أظهروا فيها تاريخ الملكة فكتوريا بكل أدواره، وأنفقوا على الاستعداد لهذه الرواية ورسومها وملابسها ومعداتها الأخرى نحو سبعين ألف جنيه، وكان الممثلون كلهم بنات ذوات حسن باهر لبسن الأشكال المختلفة، وجعلن في بعض الأدوار يجتمعن للرقص سوية وهن لا يقل عددهن عن مائتي فتاة، فكان لرقصهن على الأنغام منظر يسحر العقول ويدهش الألباب، ولا سيما حين جعل بعضهن يتفتل والبعض يترقص، وفي الوسط عميدة الممثلات تدور على شكل بهي غريب، وقد لبس الكل أنفس الأطالس وتحلين بأمثلة الجواهر تشع الأنوار، وحملت فرقة من هذه الممثلات سعوف النخل، ودارت فرقة أخرى بالمناديل الكبيرة من الحرير الرقيق الملون ألوانا بالغة حد الجمال، فجعلن يقبلن في أيديهن هاتيك السعوف والحرائر وهن يرقصن ومن فوقهن بنات لهن جمال لا يوصف علقن في الفضاء بحبال لم تظهر للرائين، وركبت لهن أجنحة فكن يطرن فوق الرفيقات كأنما هن ملائكة الجنان فوق ذلك الجمع اللطيف الباهر، وليس يمكن أن يصف القلم أو اللسان جمال ذلك المنظر الفتان. وفي آخر الأمر مثلوا جلالة الملكة جالسة على عرشها وفي يدها صولجان الملك وعلى رأسها التاج، والكل بهيئة لا تختلف عن الهيئة الحقيقية ودار بجلالتها صفوف الجند وهن من هؤلاء الفتيات بالملابس العسكرية، فأدين بعض الرسوم ثم اشتركن في إنشاد النشيد الوطني عند الإنكليز، وعند ذلك وقف الحاضرون ورفعوا القبعات وطأطئوا الرءوس إجلالا لملكتهم وإكراما، تلك عادة في الإنكليز يظهرونها في محافلهم ومجتمعاتهم دليل حبهم للملك والوطن، ونعم ما يفعلون.
ومن هذا القبيل أنهم استدعوا المطربة المشهورة مدام باتي لتغني خمسة أدوار في القاعة المعروفة باسم ألبرت هول، وقد مر ذكرها وهي تضم عشرة آلاف نفس فابتاع تذاكر الدخول عشرة آلاف من الإنكليز حال علمهم بالأمر، ولما جاء موعد الغناء كان كل في موضعه وليس لذلك الخلق الكثير ضجة ولا اضطراب حتى إذا بدأت المغنية بالغناء والكل منصتين كأن على رءوسهم الطير أظهروا لها في آخر كل دور سرورهم بالتصفيق، ولم يسمع لأحدهم في أثناء ذلك صوت ولا حركة أخرى يستاء منها الباقون، وفي هذا مخالفة ظاهرة لمجتمعات الأنس في هذه البلاد، حيث يكثر اللغط والكلام في أثناء الغناء وقبله وبعده، ودفع القوم لمدام باتي ألف جنيه أجرة غنائها في تلك الليلة.
وكان من آيات الاحتفال أيضا معرض دائم سمي باسم الملكة فكتوريا، أنشئت فيه الأسواق والمخازن لعرض صناعة إنكلترا وأملاكها وبيع الأبضعة النفيسة، كان الداخلون إليه لا يقلون في اليوم عن خمسين ألفا، وفيه المطاعم والحانات ومرسح للتمثيل وأجواق الموسيقى، وألعاب جمة أشهرها دولاب كبير لم يصنع إلى الآن دولاب مثله تديره الآلات البخارية وقطره 300 قدم، ركبوا فيه أربعين عربة كل عربة تنقل 16 شخصا، فكان الراكبون يقعدون في مواضعهم، وهذا الدولاب العظيم يدور بهم على شكل الأراجيح المعروفة في هذه البلاد حتى إذا وصل المتفرج أعلى الدولاب من ناحية الفضاء رأى قسما كبيرا من لندن تحت يده، فكان تقاطر الناس على هذا الدولاب عظيما، ولا سيما الصغار منهم وأصحاب العائلات. ولقيت المستر موبرلي بل مدير التيمس الذي سبق ذكره فدعاني إلى وليمة فاخرة أولمها في منزله لرؤساء الوزراء الذين جاءوا من المستعمرات الإنكليزية، وكانوا موضوع إكرام الحكومة والأفراد مدة وجودهم في إنكلترا، ثم دعيت أيضا إلى دار محافظ لندن - التي مر ذكرها - لوليمة شائقة أولمها حضرته لهؤلاء الوزراء أيضا، فكان المدعوون يفدون ويستقبلهم الغلمان المستخدمون للتشريفات في مثل هذه الحفلات وهم يلبسون أثوابا من القطيفة الحمراء مزركشة بالقصب، وللسترة أزرار من النحاس كبير مذهبة وعلى الكتفين حلية من القصب تحكي التي يضعها رجال البحرية والعسكرية فوق أكتافهم، والبنطلون من القطيفة الحمراء أيضا مزركش بالقصب من جانبيه، وهو ينتهي عند الركبتين بأزرار من النحاس المذهب، وتليه جوارب من الحرير الأبيض وأحذية من الجلد الأسود اللماع، ويذر هؤلاء الغلمان المسحوق الأبيض (البودرة) على شعورهم، وهي عادة قديمة كان الرجال جميعهم يأتونها في الأجيال الماضية فبقيت بين أمثال هؤلاء الخادمين، وإذا استقبل الغلمان المذكورون مدعوا تقدموه إلى قاعة الاستقبال ونادوا باسمه واسم قرينته بصوت عال حتى يعلم صاحب الدار من القادم ويتقدم للترحيب، فكان كل مدعو إلى حفلة محافظ لندن هذه يصل على مثل ما تقدم، وكان من حسن حظي أني عرفت جناب السر جورج فودل فلبس محافظ لندن في ذلك العام، وحدثته وحدثني بعد الوليمة، وشكرني على ما قدمت من المساعدة لنجليه حين قدما مدينة الإسماعيلية في الشتاء السابق وأنا قائم مقام المحافظ، وقد تعب السر جورج فلبس هذا مدة العيد واحتفالاته؛ نظرا لمركزه في عاصمة الإنكليز، فإنه ألقى مدة هذا العيد نحو 300 خطاب وجمع على يده نحو مليون جنيه بالاكتتاب للزينات وغيرها، وضربت على التجار ضريبة غير إجبارية تعرف بضريبة البني (أي قرش تعريفة)، فجمعوا منها عشرة آلاف جنيه لبناء مستشفى خيري. وفي غد ذلك النهار زرت جناب اللورد كلارندون نجل اللورد كلارندون الذي تقلد وزارة الخارجية مرة، وله فضل على المرحوم والدي بما أنعم عليه مدة وجوده فيس قنصل إنكلترا في اللاذقية. وجناب اللورد كلارندون مثل أكثر أشراف الإنكليز مقيم في قصر قديم كان قلعة لأجداده فما غير منه في ظاهره إلا الذي لزم له ترميم أو إعادة بناء، وفي هذا القصر آثار ومفروشات باقية من أيام اللوردات كلارندون الأول، وقد مرت عليها في تلك القاعات عدة قرون.
وجملة القول أن إنكلترا وأملاكها ومستعمراتها كانت في أعياد تلي أعيادا سنة اليوبيل هذه، ولو شئنا عد الهدايا والآثار والاحتفالات التي اشتهر أمرها لما كفى لذلك كتب كثيرة، وكان من أمر جلالة الملكة أنها لما رأت من شعبها كل هذا الإكرام العجيب لها والحب الخارق، جادت في العطاء والولائم والصلات وأنعمت بالرتب والوسامات على مئات من نبلاء دولتها وكرام مملكتها، وأرسلت في آخر الحفلات رسالة خطتها بيدها الكريمة تشكر رعاياها جميعهم على ما أظهروا من الولاء شكرا قلبيا، وأمرت أن تنشر الرسالة هذه في صحف إنكلترا والهند والمستعمرات في آن واحد، فأرسلت إلى أقاصي الأرض بالتلغراف ونشرت في يوم واحد، وقد ورد في ذلك المنشور عبارة فصلت الخطاب في إشاعة تداولتها الألسن من عهد بعيد؛ فإن الكثيرين كانوا يظنون أن جلالة الملكة تكتفي بحكم 60 عاما وتتنازل عن الملك بعد الاحتفال لولي عهدها، فورد في منشورها المذكور قول صريح يفهم منه أنها عازمة على التمسك بالعرش ما ظلت حية، وكان ذلك ختام عيد ما رأى مثله الأولون والآخرون.
اسكوتلاندا
لما انتهيت من هذه الحفلات برحت لندن قاصدا مدن اسكوتلاندا وجبالها، وهي مصايف الأشراف الإنكليز وأكثر الأراضي البريطانية جمالا، وقد مر بك أن اسكوتلاندا هي القسم الشمالي من بريطانيا العظمى، وهي جزء من الأجزاء الثلاثة المكونة للملكة الإنكليزية - أريد بها إنكلترا واسكوتلاندا وأرلاندا - وتاريخها مختلط بتاريخ الإنكليز، فراجعه في الخلاصة التي صدرنا بها هذا القسم من الكتاب. ركبت قطارا وصلت به قبل أن أدخل حدود اسكوتلاندا بلدة «وندرمير»، وهي بلدة زاهرة زاهية بنيت على ضفة بحيرة تعد أكبر بحيرات إنكلترا وأوفرها جمالا، طولها عشرة أميال وعرضها ميل وثلث ميل، وإلى جانبيها نجاد بهية وهضاب شهية كسيت بالخضرة السندسية، وقد رصعت أرضها بالطرق الرحبة والأغراس البديعة وتخللها قصور باذخة شماء وصروح فائقة الإتقان، بعضها فنادق ومتنزهات والبعض مساكن لأهل النعمة والترف من الإنكليز - وهم كثار كما تعلم - فما في الأرض بلاد يكثر سراتها وأغنياؤها مثل هذه البلاد العظيمة، وقد عني القوم بهذه البحيرة وما حولها فوضعوا فيها البواخر والزوارق على أشكالها يتنزه بها السيدات والرجال والصغار معجبين بصفاء مائها وجمال ما حولها من المناظر، ووسعوا الطرق للعربات والعجلات وجماعة المارة من كل جانب وأكثروا من الغرس الشهي والعشب الندي حتى أضحت تلك البقعة مثابة أهل العز ومحجة الذين يريدون قضاء مدة ينسون فيها متاعب الدنيا وهم العمل من المتزوجين حديثا؛ إذ هم يقضون هنا شهر العسل - وهو الشهر الأول بعد الزواج - لا هم فيه غير التلذذ والتمتع بنعيم الحياة. وقد زرت جناب الخواجا بويل وقرينته وهما والدا المستر بويل من موظفي الوكالة البريطانية هنا سابقا، لهما قصر في طرف هذه البحيرة وسمعت منهما الشكوى؛ لأن نجلها الوحيد لا يزورهما إلا قليلا لكثرة أعماله في القطر المصري، ولقيت منهما إكراما وترحيبا كثيرا، وأقمت في تلك الجهة أربعة أيام وددت لو تكون أربعة أشهر؛ نظرا إلى جمالها المفرط ولذة العيش فيها ثم برحتها قاصدا مدينة أدنبرو عاصمة اسكوتلاندا.
أدنبرو:
هي من أجمل المدائن البريطانية، وإن تكن ليست من أكبرها، فهي لها شهرة قديمة وحديثة بمن نشأ فيها من الفلاسفة وفطاحل السياسة ولمدارسها الفلسفية والطبية شهرة ذائعة في الخافقين، والمسافة بين هذه المدينة ولندن نحو أربعمائة ميل تجتازها القطر السريعة مرارا كل يوم ذهابا وإيابا، وعدد سكانها 350 ألفا، فهي نظرا إلى قلة الساكنين لو قابلتها بغيرها من المدن المشهورة كثيرة النظافة والإتقان يندر أن تلقى مدينة مثلها في نظافة شوارعها وأبنيتها، كما أنه يندر أن تلقى في الأرض أناسا أطهر سيرة وأجمل قلبا وأرفع آدابا من أهلها؛ لأنهم مثل سكان اسكوتلاندا عامة أهل تقى وتعقل ورزانة وأدب كثير، وليس في حاراتها وشوارعها ما في أزقة لندن وباريس وبعض المدن الكبرى من الأجلاف والأوباش الذين يدنسون البقاع بقذر ملابسهم ودنيء ألفاظهم، كما أنه ليس فيها من ضجة العربات والحركة الهائلة ما في المراكز التجارية الخطيرة، فهي مطمع الطامعين بالعيش الهنيء ومقر البهاء والجمال بين المدائن الشمالية.
Unknown page