إن الكلمات أفكار وإحساسات، والكاتب الحسن هو الذي يعطيك الأفكار الخصبة فتفكر، كما يعطيك الإحساسات الأنيقة فتجمل نفسك وتتأنق في عيشك .
ولن تستطيع أن تقرأ كاتبا يسب ويلعن دون أن تحس البغض وتتلوث نفسك أنت بالسباب والبغض، ولن تستطيع أن تقرأ كاتبا يستهتر دون أن تحس أنت بالاستهتار في نفسك.
اختر كاتبك بأكثر من العناية التي تختار بها خبازك، واختر الكاتب الذي يبعث في قلبك الشجاعة والذكاء والجد والصحة، لا الكاتب الذي يملأك يأسا ومرضا ويرقص أمامك ويقول النكتة ويسليك وكأنه يعزيك عن حياتك.
الفصل الخامس والثلاثون
الكتب والصحافة
تكثر الجرائد بيننا ويغمرنا الروح الصحفي كتابا وقراء، حتى إننا لنبحث عن الخبر الأخير وليس عن الخبر الخطير، ونشتري الجريدة في الصباح ثم نشتري أخرى في المساء، ونقرأ في هرولة ثم ننسى في هرولة.
وأنا آخر من ينتقص قيمة الجرائد التي تصل بيننا وبين أنحاء العالم، والتي تبسط لنا التاريخ العصري وتزيد وجداننا حتى لكأنها حاسة جديدة قد جعلتنا على عرفان بأحوال البشر في ستين أو سبعين قطرا غير قطرنا.
ولكن هذه الرغبة في الخبر الأخير، وهذه الهرولة في القراءة، كلتاهما قد باعدت بيننا وبين الكتاب الذي لا يزودنا بالخبر الاخير ولكن بالخبر الخطير الذي يحتاج إلى التأني والتأمل في القراءة.
إذا كانت الجريدة العظيمة تقدم لنا آخر الأخبار فإن الكتاب العظيم يقدم لنا أهم الأخبار، أخبار البشر عبر القرون، وإذا كانت الجريدة تروي لنا حماقات الناس في جرائمهم فإن الكتاب ينقل إلينا حكمة الحكماء وأغاني الشعراء وإنسانية الأدباء التي تعلمنا جميعها كيف نعيش ونتأنق في أفكارنا ونحس الإخاء البشري ونتوسم الخير في المستقبل.
وإنها لرؤيا رائعة تلك التي يراها القارئ المصري حين يقرأ يوميات الجبرتي ويعرف منها كيف كان يعيش جدودنا قبل مئة وخمسين سنة، أو حين يقرأ التفاصيل لتلك المعارك الفكرية بين الغزالي وابن رشد، وإنها لنزهة للنفس أن ننتقل مع ابن بطوطة من المغرب الأقصى إلى الصين في القرن الثالث عشر، وهذا إلى متع القراءة للسيرة الحلبية أو معجم الأدباء أو غيرهما.
Unknown page