وهذا قليل من كثير مما يحدثنا به التاريخ عن شجاعته ورباطة جأشه، ولكن ماذا تجديه شجاعته في مثل هذا المأزق الحرج؟ وماذا تغنيه قوته ورباطة جأشه أمام هذه الجموع الزاخرة المتألبة عليه؟
ماذا يفعل وقد خذله أنصاره، وتفرق عن نصرته رجاله، وتم الأمر - أو كاد - لخصمه «يزيد بن الوليد» الذي عرف كيف يشهر به، ويذيع مخازيه وآثامه مكبرة مجسمة في الآفاق؛ حتى بلغ إربته، وبايعه أكثر الناس؟
ليس أمامه غير الهزيمة، ولكنه لم يشأ أن يتعجلها، وأبى إلا الثبات لعل فيه فرجا، ولم تخنه شجاعته في هذا الظرف العصيب فخرج محاربا مستبسلا في دفاعه.
وقد ظاهر بين درعين - كما يقول المؤرخون - وأتوه بفرسيه «السندي» و«الزائد» فقاتل أعداءه قتالا شديدا. (3) انخذال الوليد
ولكن رجلا من أعداء الوليد ناداهم: «اقتلوا عدو الله قتلة قوم لوط، ارموه بالحجارة!»
فلم يكد يسمع ذلك، حتى شعر بالخيبة، وأدرك أن أمره وشيك الزوال، وعلم أن ليس في استطاعته أن يصد هذه الجموع المتألبة الملتهبة حماسا، وأن الدفاع في هذا الموطن معناه الدمار.
فلجأ مضطرا إلى الانسحاب، فدخل القصر وأغلق الباب، ولكن أعداءه أحاطوا بالقصر. (4) محاسبة الوليد
قالوا: فلما رأى الوليد هذه الجموع الزاخرة دنا من الباب فقال: «أما فيكم رجل شريف له حسب وحياء أكلمه؟»
فقال له أحدهم: «كلمني.»
فقال له: «من أنت؟»
Unknown page