رواية ثانية عن العاشق التقي
أنبأنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه قراءة عليه قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان إجازة قال: أخبرني عبد الله بن نصر المروزي قال: أخبرني عبد الله بن سويد عن أبيه قال: سمعت علي بن عاصم يقول: قال لي رجل من أهل الكوفة من بعض إخواني: هل لك في عاشقٍ تراه؟ فمضيت معه، فرأيت فتىً كأنما نزعت الروح من جسده، وهو مؤتزر بإزار ومرتد بآخر، وإذا هو مفكر، وفي ساعده وردة، فذكرنا له بيتًا من الشعر، فتهيج، وقال: وذكر الأبيات المتقدمة الخمسة، ثم أطرق، فقلنا: ما شأنه؟ فقالوا: عاشق جاريةً لبعض أهله فأعطى بها كل ما يملك، وهو سبعمائة دينار، فأبوا أن يبيعوها. فنزل به ما ترى، وفقد عقله.
قال: فخرجنا فلبثنا ما شاء الله، ثم مات فحضرت جنازته، فلما سوي عليه، إذا أنا بجارية تسأل عن القبر، فدللتها، فما زالت تبكي وتأخذ التراب فتجعله في شعرها، فبينا هي كذلك إذا قوم يسعون فأقبلوا عليها ضربًا، فقالت: شأنكم، والله لا تنتفقون بي بعده أبدًا.
عاتبوه في سفك دمي!
ولي من أبيات:
عاتِبوه اليَوْمَ في سَفكِ دمي ... فَعَسى عتبُكم يُحشِمُه.
ثمّ قُولوا للّذي لم يُخطِني ... إذ رَمى، صَائِبَةً أسهُمُه:
أحَلالٌ لكَ في شَرعِ الهَوَى ... دمُ مَن ليسَ حلالًا دمَهُ؟
بيَ جرحٌ في فؤادي من هوى ... شادنٍ أعوزني مَرْهَمُه.
1 / 18