وارتمس في الماء ثم ارتفع فقال له بعض أصحابه وهو يغرق: «أغرقا يا أمير المؤمنين؟!»
فقال:
ذلك تقدير العزيز العليم . (2-1) شجاعة شبيب
ليت شعري أي مصرع كان يلقاه شبيب لو لم يهلك غرقا؟
لقد كان شبيب قوة لا تقهر، وقد أظهر من ضروب البسالة والإقدام ما سلكه في عداد القوم العالمين الذين كتبوا في سجل الخلود، ولست أدري إلى أي مدى كان يتغير التاريخ الاسلامي لو لم يعاجله القضاء.
ويأتي قضاء ما لكم عنه حاجز
فألقوا إلى مولاكم بالمقالد
لقد كان يهزم الجيش المكون من ألوف الفرسان وهو - في عشرات من رجاله - وكان ملهم الخاطر فطنا بطرق النصر، بطلا في انتصاره وهزيمته على السواء، لا يكاد يرى أن حربه مع خصمه غير مجدية حتى يولي وجهه إلى مكان آخر تجدي فيه الشجاعة والإقدام، ولا يضعف إلا ريثما يستريش وينجبر ويعود بعد قليل من الزمن أقوى منه من قبل. ومن الناس من تقرأ تاريخه فتشعر من أعماق نفسك أن مثل هذا لا يغلب ولا سبيل إلى هزيمته، ولو تألبت عليه قوى الأرض كلها، وهذا هو شعور كل من يتتبع أخبار شبيب وحروبه المظفرة.
ولو كان شبيب رجلا غربيا لكان رجلا عالميا لا يجهله أحد من خاصة الناس وعامتهم في أقطار الأرض قاطبة، ولكنه عربي أولا، وخارجي ثانيا. (2-2) النصر الأول
رأينا في مصرع صالح بن مسرح كيف انتهت الموقعة الأخيرة بقتل صالح وكادت تنتهي بقتل شبيب معه، فقد صرع عن فرسه، ولكن شجاعته الخارقة لم تفته في هذا الموطن الحرج، فشد على أعدائه فكشفهم، ثم نادى أصحابه فلاذوا به فقال لهم: «ليجعل كل واحد منكم ظهره إلى ظهر صاحبه وليطاعن عدوه إذا أقدم عليه؛ حتى ندخل هذا الحصن ونرى رأينا.»
Unknown page