فإن هؤلاء المتكلمين الذين استدلوا على حدوث الأجسام بقيام الأعراض بها الصفات والحركات، أو بقيام الحركات، كان من أظهر طرقهم: أن هذه الحركات أو الأكوان أو الأعراض كلها حادثة وأن الجسم لا ينفك منها، وإذا لم ينفك منها كان محدثا.
فإن ما لم يسبق الحوادث فهو حادث.
ثم كثير من السالكين هذه الطريق اكتفوا بهذه المقدمات، وآخرون تفطنوا لوجه المنع فيها: وهو أن المحدث ينقسم إلى شخص ونوع:
فإن المحدث المعين ما لم تنفك عنه فهو محدث مثله؛ لأن المحدث المعين كان مسبوقا بالعدم.
فما كان مستلزما له لم يتقدم عليه لامتناع وجود الملزوم دون اللازم فيكون محدثا مثله.
وأما النوع الذي تحدث آحاده: فهذا قد قال طوائف من أهل الملل والفلاسفة، بل من أهل الحديث والسنة: إن كل واحد من آحاده مسبوق بآخر إلى غير نهاية، وأنه إذا قيل: هو حادث؛ فهو بالنظر إلى فرد فرد وجزء جزء، لا بالنظر إلى النوع، فإن النوع لا يوصف بالحدوث عن عدم؛ فإنه لم يزل كذلك.
وهؤلاء إذا قيل لهم: الحادث ما له أول، والأزل ليس له أول، والجمع بينهما محال.
قالوا: الحادث الذي له أول: هو الشخص الحادث.
فأما النوع الذي لم يزل؛ فإذا قيل: هو حادث؛ فباعتبار أن أجزاءه متتالية متعاقبة، لا باعتبار أنه مسبوق بعدم.
قالوا: وهذا نعني بقولنا: هو حادث.
Page 132