وقد رد على الدكتور حتى، العالم المعروف آنشتين، وهو الآن أستاذ الجامعة نفسها، ومعه الأستاذ كحلر للدفاع عن الصهيونية وحقوق اليهود فقال: المعروف أن العرب واليهود تفرعوا من أصل واحد، فهم جميعا أحفاد سيدنا إبراهيم الذي هجر إلى فلسطين، لذلك ليس لأحدهم أن يزعم استقراره في البلاد قبل الآخر، وتدل الآراء الحديثة على أن فريقا من الإسرائيليين نزح إلى مصر كما ورد في قصة يوسف وأن الفريق الآخر بقي في فلسطين. لذلك فإن الكنعانيين الذين اصطدم بهم اليهود عند دخولهم أرض الموعد في أيام النبي يوشع كان بعضهم من الإسرائيليين، فليس للعرب إذن أفضلية السبق في التوطن بالبلاد.
وإذا كانت القدس للعرب مدينة مقدسة في المرتبة الثالثة، فإنها لليهود المدينة الوحيدة المكرمة، ففيها تمثلت حوادث تاريخهم القديم. وإذا كانت يوما قبلة المصلين المسلمين فقد تغيرت القبلة بعدئذ، ولا يجوز أن تتخذ طقوسا عفت ودرست أساسا لمزاعم العرب في فلسطين. إن اليهود في دفاعهم لا يلجئون إلى القوة ولا إلى الحقوق التاريخية، فالاستناد إليها لا يجدي بكثير أو بقليل؛ لأننا لو اتخذنا الحوادث التاريخية مقياسا للأحقية لاحتفظت شعوب قليلة بحقها في أوطانها، ولسقط حق الكثيرين فيها. يقول الدكتور حتى: إن العرب لا يفهمون لماذا لا تحل المشكلة إلا على حسابهم، وهي مشكلة ليست من صنعهم ولا دخل لهم فيها ولا جريرة. والحقيقة أنهم بانتصارهم في الحرب التي شنوها على فلسطين واستيلائهم عليها قد ساهموا بنصيب في إيجاد المشكلة، وإن كان نصيبهم أقل من غيرهم من الشعوب نسبيا.
ومن الغريب أن الموقف الذي يتخذه العرب حيال اليهود يعدل تماما موقف شعوب العالم أجمع نحونا، ولكن هناك فارقا بين العرب وبقية الشعوب، فكل شعب له وطن واحد لا علاقة له بالتقاليد اليهودية، أما العرب فإنهم يمتلكون أربع ممالك؛ المملكة العربية السعودية وبها جميع البلاد العربية المقدسة واليمن والعراق وشرق الأردن، هذا لو تركنا جانبا مصر وسوريا ومستعمرات شمال أفريقيا، وفلسطين هي المكان الوحيد في العالم الذي يتصل اتصالا وثيقا بتاريخ اليهود من صنوف العذاب والحرمان والاضطهاد منذ أن غادروا وطنهم وشتتوا على وجه البسيطة هنا وهناك! لذلك فإن الحركة الصهيونية أو بعبارة أوضح حركة البحث عن ميناء يهرع إليه اليهود ويتحصنون فيه ليست حركة مفتعلة كما يقول الدكتور حتى، ولكنها الحاجة الماسة والضيق الشديد الذي دفعنا إليها.
إن اليهود على استعداد للعمل والخدمة والتضحية، وقد تمكن الشباب اليهودي ولا يزال يأمل في تحويل الأراضي العقيمة القاحلة بفلسطين إلى حقول مزدهرة ناضرة، والأماكن الجرداء المقفرة بها إلى مدن حديثة عامرة، وبذا يتسنى رفع المستوى المعيشي للعرب واليهود على السواء. (7) فلسطين للعرب
ثم تناول الدكتور حتى هذا الدفع ودحضه، قائلا: عندما انتقل سيدنا إبراهيم إلى أرض كنعان «فلسطين» لم تكن خالية من السكان كما تدلنا على ذلك رواية العهد القديم، وما تسميهم الآن عرب فلسطين - وخاصة المسيحيين منهم - هم ذرية هذا الجنس الذي توطن في فلسطين قبل وصول سيدنا إبراهيم.
ثم انتقل إلى مسئولية العرب في إيجاد المشكلة عن طريق طرد اليهود من فلسطين، وأثبت أن استيلاء العرب على فلسطين كان في القرن السابع بعد الميلاد حينما كانت فلسطين إذ ذاك قد أفلتت من قبضة اليهود نهائيا، وأصبحت مسيحية لا يهودية.
ثم قال: وأما ضربكم على الوتر العاطفي بالتحدث عما عاناه اليهود من تقتيل وتشريد واضطهاد فإننا نرجو أن تستمع إليه أمريكا وأن تسمح بهجرة اليهود إليها، وأما حجة إصلاح أراضي فلسطين وتحسين المستوى المعيشي بها فهي حجة طالما سمعناها من الطليان بشأن طرابلس عام 1912م، وبخصوص الحبشة عام 1935م، وهي حجة يعلم رجال الاقتصاد المطلعون على بواطن الأمور بطلانها وسخفها.
يهود يحاربون الصهيونية
في 8 نوفمبر 1944م، عقدت الجمعية الأخوية اليهودية في لندن اجتماعها الأول برياسة السر بزويل كوهين، وهي ترمي إلى مناهضة الروح الصهيونية، وتذهب إلى أن اليهود طائفة دينية لا جماعة قومية سياسة، وإلى اشتراك اليهود مع العرب، وتعاونهما في فلسطين، وتقوية روابط الصداقة.
قال المربرجر الحاخام الأمريكي اليهودي، رئيس المجلس اليهودي الأمريكي في سان فرانسيسكو، الذي حضر للاتصال بالمجلس المحلي في سان فرانسيسكو، ناب عن الرئيس وعميد جامعة كاليفورنيا في حركة مقاومة الصهيونية:
Unknown page