Masala Sharqiyya
المسألة الشرقية ومؤتمر باريس
Genres
وكان مجيء بالمرستون إلى وزارة الخارجية حادثا مهما من حيث سياسة إنجلترا بإزاء الدولة العثمانية. كان بالمرستون أعظم شخصية سياسية إنجليزية منذ عهد كاننج إلى مجيء ديزريلي. فكاننج عقلية ممتازة من حيث السياسة الخارجية، فهو يضع خطط السياسة بعد عناية وتمحيص ونظر إلى المستقبل، وهو الذي وضع أساس السياسة الإنجليزية التقليدية بالنسبة للدولة العثمانية. فهو لا يرى ضمان سلامتها، ولكنه يرى حماية تركيا عن طريق احتلال بعض النقط المهمة، ولكنه عدل بعد ذلك في سياسته، فتدخل مع روسيا في المشكلة اليونانية لمنعها من التدخل وحدها.
ولكن بالمرستون بدأ حياته في إدارة الشئون الخارجية بإعلان ضرورة المحافظة على سلامة تركيا، ويرى ضرورة تأييدها بالقوة ضد روسيا. فكاننج لم يكن مستعدا إلى حد الدفاع عنها بعكس بالمرستون. كان بالمرستون ذا حيوية وجرأة منقطعة النظير، ولم يكن لديه مانع من استخدام التهديد والوعيد لتنفيذ سياسته. لم يكن بالمرستون رجل مبادئ بقدر ما اهتم بحماية مصالح إنجلترا السياسية والتجارية، وكان يهتم دائما بإرضاء الرأي العام وضمه إلى جانبه في تنفيذ سياسته، وكان بالمرستون يشير دائما إلى ما لإنجلترا من تفوق بحري وإلى تصميم إنجلترا على حماية مصالحها بالقوة.
كان بالمرستون يرى أن في أوروبا معسكرين؛ أحدهما يحمي المبادئ الاستبدادية، ويشمل روسيا وبروسيا والنمسا، والآخر يناصر المبادئ الدستورية وتتزعمه إنجلترا وفرنسا، ووقف بالمرستون صريحا إلى جانب تأييد المبادئ الدستورية، في الوقت الذي كان فيه كاننج يرى ضرورة حفظ التوازن بين الجانين. أما بالمرستون فرأى في الدول الدستورية حلفاء إنجلترا الطبيعيين، ومن هنا كان عداؤه لروسيا، فهو يمقت سياسة القيصر الروسي، وخاصة بعد استخدامها القسوة والعنف في القضاء على الثورة البولونية.
وفي المسألة الشرقية كان بالمرستون يفضل بلا ريب التعاون مع فرنسا على الاتفاق مع روسيا، واهتم اهتماما خاصا بفصل فرنسا عن روسيا. لقد رأى بالمرستون في المسألة الشرقية أهم مشكلة في السياسة الدولية؛ لاتصالها بمصر وفرنسا وتركيا وروسيا وإنجلترا، ولما للقوة البحرية من أثر في معالجتها والبت في أمرها.
حقيقة أن بالمرستون لم يمنع محمد علي من احتلال سوريا، وهذا ربما كان راجعا إلى أن إنجلترا قد اتخذت ضد فرنسا خطة حاسمة في بلجيكا والبرتغال وتونس، ولم يكن بالمرستون قد كون بعد رأيه النهائي في محمد علي.
لقد أيد بالمرستون الدولة العثمانية من الناحية السياسية لا الحربية، وكان لا يزال يرى ضرورة التعاون مع فرنسا في المسألة المصرية، ولكن الذي أزعجه حقيقة وحفزه إلى وضع سياسة حاسمة بالنسبة لمصر ومحمد علي؛ هو الخطر الروسي، فلقد تدخل القيصر نيكولاس لنجدة السلطان ضد محمد علي بعد موقعة قونية وعقد معاهدة انكيار سكلي.
تفوق النفوذ الروسي إذن في القسطنطينية في سنة 1833، وقدمت حملة روسية إلى البوسفور عسكرت على الشواطئ الآسيوية لحماية السلطان من واليه الثائر.
فسنة 1833 سنة مهمة إذن؛ لأنه فيها سيطرت الروسيا للمرة الأولى والأخيرة على القسطنطينية، لقد ذهب خطر محمد علي مؤقتا، وبقي خطر الروس، وبالغ بالمرستون في هذا الخطر أو خيل له أن ذلك الخطر أعظم مما هو، فلقد ظل نيكولاس مخلصا لسياسته التي استنها بعد درس وبحث، وهي أنه خير للروسيا أن يكون لها جار ضعيف، ولكن القيصر لم يكف عن العطف على العناصر المسيحية في الدولة، هذه الدولة الآخذة في الانحلال فهو يقول:
I have no power to give life to the dead, and the Turkish empire is dead I have no confidence in this old body preserving life, it is in dissolution from all sides.
كان هذا رأي القيصر الشخصي، ولكنه كان عليه أن يسير على السياسة التي وضعت. أعلن القيصر أنه لم يعد يسير على سياسية كاترين الثانية، ولكنه سيعمل بقدر الإمكان على المحافظة على الدولة العثمانية، ولكن إذا حدث وانهارت الدولة العثمانية، فيجب أن تعد روسيا للمستقبل، وخاصة أمام ما اعتقده دسائس إنجلترا وفرنسا في الآستانة. كان نيكولاس يود كل جهده منع التدخل الإنجليزي الفرنسي في شئون تركيا، وكان يكره اجتماع المؤتمرات الأوروبية للنظر في المسائل العثمانية، ويرى لو اقتصرت هذه الاجتماعات على الروسيا والنمسا والمجر.
Unknown page