ثم قالت اللادي سيمون: نكتفي بما تقدم من المصادر الأجنبية التي يصح الاعتماد عليها في دراسة هذا الموضوع، ثم عمدت إلى ما نشرته الحكومة البريطانية من الوثائق الرسمية في كتب بيضاء، فاستخلصت منها أهم ما جاء فيها كما يلي:
في سنة 1920 ظهر أول كتاب أبيض في هذا الموضوع، وكل كتاب أبيض تصدره وزارة الخارجية البريطانية جدير بالعناية والتدبر، ويغلب أن لا تنشر الحكومة البريطانية كلاما فيه نقد لاذع لأحوال بلاد أجنبية من دون أن ترى السبب كافيا للنشر.
فإذا طالعت الكتاب الأبيض البريطاني ووجدت كلمة «جهنم» قد استعملت فيه لوصف الحالة داخل بلاد الحبشة لكان ذلك كافيا لإقناعنا بأن الحالة - من هذه الناحية - على أسوأ ما تكون.
وإليك الحادثة التالية :
وجد الكابتن كوكراين - وهو الضابط البريطاني المسئول في موبال - نفسه أمام طائفة من الأرقاء الفارين من الحبشة واللاجئين إلى موبال، وليس من الصعب أن يتصور المرء حالة هذا الضابط البريطاني المقيم في موقع من أبعد المواقع الأفريقية عن العمران وليس لديه إلا مئونة محدودة له ولموظفيه، عندما وجد أنه عاجز عن العناية بجماعة كبيرة من هؤلاء اللاجئين المذعورين؛ فعزم على أن يتوسل إلى أحد حكام الحبشة المشهورين بأنه أقل عسفا من غيرهم في هذا الصدد، فأعاد الكابتن كوكراين هؤلاء الأرقاء اللاجئين إلى حاكمهم متوسلا إليه أن يعنى بهم ويحسن معاملتهم، وكان هو يشك بعض الشك في إمكان استجابة طلبه، كما يبدو من قوله في كتابه إلى آتوجابرو؛ إذ قال فيه: «... وأنتم تعلمون أن حكومتي ما كانت لترضى بإعادة اللاجئين لو كانت تظن أنها تعيدهم إلى «جهنم» التي فروا منها.» وقصده واضح وهو أن يستثير نخوته.
وفي عبارة أخرى من هذه الرسالة يقول الكابتن كوكراين، وكأنه يصف جهنم الأرقاء:
ولكن إذا ثبت أن هؤلاء اللاجئين نالوا عقابا أشد من العقاب العادل لفرارهم، أو إذا شوهوا، أو حرموا حريتهم ... فأؤكد لكم أن حكومتي في المستقبل لن تفكر في إعادة اللاجئين إلينا من بلادكم.
أما الوزير البريطاني في أديس أبابا فيعلق على الحادثة بقوله في رسالة رسمية إلى وزارة الخارجية: ... أخشى أن تكون تأكيدات آتو جابرو لا قيمة لها، وإنني ليحزنني أن أتصور العقاب الذي سوف يناله هؤلاء المساكين عند وقوعهم ثانية في قبضة أسيادهم السابقين.
وتلاحظون جنابكم أن بعض نساء القبيلة نبذت عائلاتها وفرت ثانية إلى المنطقة البريطانية مفضلة ذلك على مواجهة ما يعلمن أنه مصيرهن بلا شك.
وقد حاولت وزارة الخارجية البريطانية أن تتحقق من عدد الأرقاء في تلك المنطقة، فرد الكابتن كوكراين على سؤالها بقوله أنه يظن أن كل حبشي على الحدود تقريبا يملك عبدا أو أكثر.
Unknown page