في سائر الأجناس.
فالأصل المعتبر هو الإيمان والتقوى، دون من ألغى فضيلة الأنساب مطلقا، ودون من ظن أن الله مفضل الإنسان بنسبه على من هو مثله في التقوى؛ وكلا القولين خطأ وهما متقابلان، فالفضل بالنسب للمظنة والسبب، وبالتقوى لليقين والتحقيق والغاية؛ فالأول سبب وعلامة، والثاني يفضل به لأنه تحقيق وغاية. والثواب يقع على هذا، لأن الحقيقة قد وجدت فلم يعلق الحكم بالمظنة، ولأن الله يعلم الأشياء على ما هي عليه، ولهذا كان رضى الله عن السابقين أفضل من الصلاة على آل محمد، لأن الأول إخبار بما حصل، والثاني سؤال ما لم يحصل. ومحمد أخبر الله تعالى أنه يصلي عليه وملائكته، فالفضيلة بنوع لا يستلزم الأفضلية مطلقا، ولهذا كان في الأغنياء من هو أفضل من جمهور الفقراء، كإبراهيم وداود وأمثالهم، وعيسى ويحيى أفضل من أكثر الأغنياء.
(٧٥) إذا تكلم فيمن دون الصحابة كالملوك المختلفين، وجب أن يكون الكلام بعلم وعدل،
فإن العدل واجب لكل أحد على كل أحد في كل حال، والظلم محرم مطلقا لا يباح بحال، قال تعالى: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا﴾ ١. وهذه الآية نزلت بسبب بغضهم للكفار، وهو بغض مأمور به، فإذا كان هذا قد نُهِيَ صاحبه أن يظلم من أبغضه، فكيف في بغض مسلم بتأويل أو شبهة أو هوى؟ والعدل مما اتفق أهل الأرض على مدحه، والظلم مما اتفقوا على ذمه، والله أرسل الرسل ليقوم الناس بالقسط، وأخبر أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها، وأمر بتقواه بقدر الاستطاعة،
_________
١ سورة المائدة آية: ٨.
1 / 52