وعلم فساد قول الجهمية الذين يجعلون الثواب والعقاب بلا حكمة ولا عدل إلى أن قال: ومن سلك مسلكهم غايته إذا عظم الأمر والنهي أن يقول كما نقل عن الشاذلي: يكون الجمع في قلبك مشهودا، والفرق على لسانك موجودا، كما يوجد في كلامه وكلام غيره، أقوال وأدعية تستلزم تعطيل الأمر والنهي مما يوجب أن يكون عنده أن يجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض؛ ويدعون بأدعية فيها اعتداء كما في حزب الشاذلي، وآخرون من عوامهم يجوزون أن يكرم الله بكرامات الأولياء لمن هو فاجر أو كافر، ويقولون هذه موهبة، يظنونها من الكرامات وهي من الأحوال الشيطانية التي يكون مثلها للسحرة والكهان، كما قال تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ ١ إلى قوله: ﴿هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ وصح قوله ﷺ: "لتتبعن سنن من كان قبلكم" ٢ فعدل كثير من المنتسبين إلى الإسلام إلى أن نبذ القرآن وراء ظهره، واتبع ما تتلو الشياطين، فلا يعظم أمر القرآن ونهيه ولا يوالي من أمر القرآن بموالاته؛ ولا يعادي من أمر القرآن بمعاداته بل يعظم من يأتي ببعض الخوارق. ثم منهم من يعرف أنه من الشيطان لكن يعظمه لهواه، ويفضله على طريقة القرآن، وهؤلاء كفار كما قال الله فيهم ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ ٣ الآية.
(٥٢) قوله: ﴿من نفسك﴾ فمن الفوائد أن المتعلم لا يطمئن إلى نفسه، ولا يشتغل بملام الناس وذمهم، بل يسأل الله أن يعينه على طاعته، ولهذا
_________
١ سورة البقرة آية: ١٠١.
٢ البخاري: أحاديث الأنبياء (٣٤٥٦)، ومسلم: العلم (٢٦٦٩)، وأحمد (٣/٨٤،٣/٨٩،٣/٩٤) .
٣ سورة النساء آية: ٥١.
1 / 38