لأنها إما فعل مأمور، أو ترك محظور، والترك أمر وجودي؛ فتركه لما عرف أنه ذنب، وكراهته له ومنع نفسه منه أمور وجودية، وإنما يثاب على الترك على هذا الوجه. وقد جعل ﷺ البغض في الله من أوثق عرى الإيمان، وهو أصل الترك، وجعل المنع لله من كمال الإيمان، وهو أصل الترك؛ وكذلك براءة الخليل قومه من المشركين ومعبوديهم ليست تركا محضا بل صادرا عن بغض وعداوة.
وأما السيئات، فمنشأها من الجهل والظلم، وفي الحقيقة كلها ترجع إلى الجهل، وإلا فلو تم العلم بها لم يفعله فإن هذا خاصة العقل، وقد يغفل عن هذا كله بقوة وإرادة الشهوة والغفلة؛ والشهوة أصل الشر، كما قال تعالى: ﴿وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ ١ الآية.
السابع: إن ابتلاءه بالذنوب عقوبة له على عدم فعل ما خلق له وفطر عليه.
الثامن: أن ما يصيبه من الخير والنعم لا تنحصر أسبابه، يحصل بعمله وبغير عمله، وعمله من إنعام الله عليه، فيرجع في ذلك إلى الله ولا يرجو إلا هو؛ فهو مستحق الشكر التام الذي لا يستحقه غيره، وإنما يستحق غيره من الشكر جزاء على ما يسره الله على يديه، لكن لا يبلغ أن يشكر بمعصية الله، ٢ فإنه المنعم بما لا يقدر عليه مخلوق ونعمة المخلوق منه أيضا، وجزاه على الشكر والكفر لا يقدر أحد على مثله.
فإذا عرف أن ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده صار توكله ورجاؤه إلى الله وحده. وإذا علم
_________
١ سورة الكهف آية: ٢٨.
٢ لعل الصواب بما يختص بالله.
1 / 36