ولم يقتصر فيه على قوله: (ما دلّ على معنى) إذ لو اقتصر عليه، لا لتبس بالحرف. ألا ترى أن الحروف كلها تدل على معان، وإنّ المعاني التي تدل عليها تكون غير أشخاص. وقوله: يكون ما يدل عليه شخصًا، وغير شخص يخصص صفة (يكون) لا يشركه فيه الحرف، ولا يشركه فيه الفعل. ما يدل على حدث فيما مضى، وفيما هو كائن لم ينقطع، أو ما هو آت فقد اختصً الإسم بهذا الوصف من القبلين الآخرين، كما اختصّ الفعل منهما بوصف سيبويه له، فإن قال: فانّ الحرف أيضًا يدل على معنى، والمعنى الذي يدل عليه غير شخص فكيف ينفصل الإسم من الحرف بهذا الوصف مع هذا الإشتراك الموجود بينهما؟.
أعلم أن الفعل ينفسم بإنقسام الزمان، ماض وحاضر. وآت. فمثال الماضي، ما كان مبنيًا على الفتح نحو: ذهب. وسمع، وظرف، وضرب، ودحرج، واستخرج، ونحو ذلك. ومثال الحاضر نحو: يقوم، ويذهب، ويظرف، ويكتب، ويصلي، وهذا الضرب الذي وصفه سيبويه بأنه كائن لم ينقطع. فهذا الضرب وإن كان شيء منه قد مضى، وشيء منه لم يمض، فإنه عند العرب ضرب من ضروب لفعل غير الماضي، وغير المستقبل.
وعلى هذا عندهم حكم هذه الأفعال تتطاول أركانها، وتخرج إلى الوجود شيئَا فشيئًا، ويدلك على ذلك -من مذاهبهم- إنهم خصوه في النفي بـ (ما) فقالوا في نفيه: ما يصلي ولم ينفوه بـ (لن) كما نفوا المستقبل بها ولا بـ (لا) كما نفوا المستقبل الموجب بالقسم بها بـ (لم) كما نفوا الماضي بها، وأدخلوا لام الإبتداء على هذا المثال في نحو قوله ﷿: " .... وإن ربك ليحكم بينهم .... " ولم يدخلوه على المثالين الأخيرين. فهذا ولفظه الأخص لفظ المضارع، وهو ما يلحقه الألف والنون، والتاء والياء في قولك: أفعل أنا، وتفعل أنت أو هي، ونفعل نحن، ويفعل ويتسع فيوقع على الآتي أيضًا، والأصل أن يكون
1 / 59