Masabih Satica
المصابيح الساطعة الأنوار
Genres
قال: وأما قوله تعالى : ((يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا)) وقوله حين استنطقوا : ((والله ربنا ما كنا مشركين)) وقوله: ((ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا)) وقوله: ((إن ذلك لحق تخاصم أهل النار)) وقوله: ((لا تختصموا لدي)) وقوله: ((اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون)) فإن ذلك ليس في موطن واحد بل في مواطن في ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين الف سنة مما يعدون فيجمع الله الخلائق في ذلك اليوم في موطن فيتعارفون فيه ، ويكلم بعضهم بعضا ، ويستغفر بعضهم لبعض أولئك الذين بدت منهم الطاعة من الرسل والأتباع ، وتعانوا على البر والتقوى في دار الدنيا ، ويلعن أهل المعاصي بعضهم بعضا الذين بدت منهم المعاصي وتعاونوا على الظلم والعدوان في دار الدنيا المستكبرين والمستضعفين يلعن بعضهم بعضا ، ويكفر بعضهم ببعض ، والكفر في هذه الآية براءة يقول تبرأ بعضهم من بعض ، ونظيرها قول إبراهيم صلى الله عليه وعلى محمد وآله المرسلين حيث قال لأبيه وقومه : ((كفرنا بكم )) [الممتحنه:4] يقول: تبرأنا منكم ، ونظيرها قول الشيطان حين قال : ((كفرت بماأشركتمون من قبل)) [إبراهيم:22] يقول: برئت مما أشركتموني من قبل، ثم يجمعون في موطن آخر يفر بعضهم من بعض ، فذلك قوله عز وجل : ((يوم يفر المرء من أخيه (34)وأمه وأبيه)) [عبس:25] أن تعاونوا على الظلم والعدوان في دار الدنيا ((لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه)) ثم يجمعون في موطن يبكون فيه ، فلو أن تلك الأصوات بدت لأهل الدنيا لأذهلت جميع الخلق عن معاشهم ، ولتصدعت الجبال إلا ما شاء الله ، ولا يزالون كذلك حتى يبكون الدم ثم يجمعون في موطن يستنطقون فيه فيقولون : ((والله ربنا ما كنا مشركين)) ولا يقرون بما عملوا فيختم الله على أفواههم وتستنطق الأيدي والأرجل والجلود فتشهد بكل معصية بدت منهم ، ثم يرفع الخاتم عن ألسنتهم ، فينطقون فيقولون لجلودهم وأيديهم وأرجلهم لم شهدتم علينا؟ فتنطق فتقول: ((أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء)) [فصلت:21] ثم يجمعون في موطن يستنطق فيه جميع الخلائق فلا يتكلم أحد ((إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا)) فيقام الرسل صلوات الله عليهم فتسأل ، فذلك قوله لمحمد صلوات الله عليه وعلى آله وسلم ((فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا)) [النساء:41] والشهداء هم الرسل على محمد وآله وعلى الرسل السلام ، ثم يجمعون في موطن يكون فيه محمد المحمود على محمد وآله السلام ، فيقوم فيثني على ربه جل ثناؤه ، وتباركت أسماؤه وحسن بلاؤه ما لم يثن أحد قبله لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا غير مرسل ولا يثني أحد مثله بعده بمثله، ثم يثني على ملائكة الله عليهم السلام، ولا يبقى ملك مقرب إلا أثنى عليه محمد ما لم يثن عليه أحد قبله ولا يثني عليه أحد بعده بمثله ، ثم يبدأ بالصديقين والشهداء ثم الصالحين ، فيحمده أهل السماء والأرض فذلك قوله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم : ((عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا)) [الإسراء:79] فطوبى لمن كان له في ذلك اليوم حظ ونصيب ، وويل لمن لم يكن له في ذلك اليوم حظ ولا نصيب.
ثم يجمعون في موطن يجتمعون فيه ، ويدان لبعض الخلق من بعض وهو القصاص ، وذلك قبل الحساب ، فإذا أخذوا للحساب شغل كل بما لديه فنسأل الله بركة ذلك اليوم ، أفهمت ما ذكرت لك؟ قال: نعم فرجت عني غما فرج الله عنك كل هم وغم، وحللت عني عقدة فعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين.
قال : وأما قوله : ((وجوه يومئذ ناضرة (22)إلى ربها ناظرة)) وقوله : ((لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير)) وقوله : ((ولقد رآه نزلة)) وقوله : ((يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا)) وقوله: ((يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما)).
Page 95