اجتمع أصدقاء العمر بعد أن نقصوا واحدا، وهم في ذروة الشباب ما بين الثلاثين والخامسة والثلاثين من العمر، وقد عرف كل سبيله، المدرس والموظف والمحامي والدكتور والتاجر والقواد والبرمجي وتاجر المخدرات. وجعلنا نرثي صديقنا الراحل فنقول: ترك فراغا لن يسد. - ما أجمل ذكرياته! - عاش ضاحكا، ومات ضاحكا. - راهن طيلة عمره على حلم لا يريد أن يتحقق.
وعاتبنا سيد شعير على انقطاعنا عن زيارته، فاعتذرنا له بأن الحي القديم لم يعد بالمكان المناسب.
فقال بازدراء: اخص على أصلكم.
ثم بأسف: رحم الله شعراوي، كان الوحيد المواظب على زيارتي.
وبعد انتهاء الحرب بأعوام تقرر إلغاء البغاء الرسمي، فاضطر سيد إلى الظهور فوق سطح الأرض مرة أخرى، رجلا في الأربعين، يملك بضعة آلاف من الجنيهات، وذخيرة كبيرة من التجارب الفاسدة. واجتمعنا في مقهى الفيشاوي، فقال له رضا حمادة: أمامك فرصة طيبة فابدأ حياة صحية جديدة!
فضحك سيد قائلا: ما أقبح الوعظ والإرشاد!
وقرر أن يستجم فترة من الزمن، أقام في فندق بالموسكي يدار بطريقة مريبة، وأسرف في تعاطي المخدرات والخمور، واصطياد بنات الهوى ممن هن في حكم المومسات، أما نهاره فيمضيه في لعب الكومي وتدخين النارجيلة. وظل خارج الزمن تماما فيما يتعلق بجميع الأحداث كحرب فلسطين وحريق القاهرة وثورة يوليو، وتزوج وهو في الخمسين من تاجرة مخدرات مات زوجها في السجن، وكانت في الأربعين من عمرها. وبالرغم من شدة العقوبات التي فرضتها الثورة على تجارة المخدرات فقد تاجر فيها بكل استهانة، وبغير تقدير للعواقب. وقد شيد لنفسه بيتا كبيرا في طرف الدراسة على حافة الخلاء المفضي إلى جبل المقطم، وسط حديقة مساحتها فدان زرعها بالنخيل، والأعناب، والجوافة، والليمون، والحناء، والياسمين، وأثثه بالأثاث الشرقي، وأقام فوق سطحه حظائر الدجاج والأوز والأرانب.
واجتمعنا بكامل هيئتنا مرة أخرى في مأتم زوجة رضا حمادة، وغادرنا المأتم معا - أنا وسيد - حوالي منتصف الليل فسرنا معا نتحادث، وسألته برجاء: ألم تجمع من الثروة ما يغنيك عن تجارة المخدرات؟
فأجاب باستهانة: إني أربح كثيرا وأنفق أكثر. - ولكنك لا تقدر العواقب.
فقال لي وهو يربت على كتفي: طظ في العواقب!
Unknown page