واسترعى قوله اهتمامي فنظرت إلى الشاب من جديد بحب استطلاع آسر، إن كلمة «الهجرة» من الكلمات الجديدة التي غزت قاموس حياتنا، وأثارت في جيلنا القديم العجب، ها هو واحد من فرسانها فما أطيب الفرصة!
وعاد عبده يقول: إنه مرشح لبعثة دراسية قصيرة بالولايات المتحدة، ولكنه يضمر الهجرة.
فسأله جاد أبو العلا: وما رأيك أنت؟
فأجاب عبده ضاحكا: وما قيمة رأيي أو رغبتي؟ - على سبيل العلم بالشيء؟ - لا أوافق. - وأماني هانم؟
ضاعف من ارتباكي الخفي ذكر الاسم، ولكني عرفت لأول مرة أنها رجعت إلى أسرتها، كما أدهشني أن يتحدث جاد عنها بتلك الألفة، أما عبده فأجاب: إنها ترحب بالفكرة وتتخيل أنه سيكون بوسعها أن تسافر إلى الولايات المتحدة كلما شاءت.
فضحك مضيفنا وجاريته في ضحكه، ثم قال مخاطبا الشاب: ينتظرك هنا مستقبل باهر.
فقال الدكتور بلال: إني أتطلع إلى بيئة علمية صحية.
فقال عبده البسيوني: إن هجرة صديق له يدعى الدكتور يسري أدارت عقله، ولكنه في اعتقادي شخص شاذ لا يصلح مثلا طيبا، كان طبيبا ناجحا سواء في المستشفى أم في العيادة، ولكن غضبه على كل شيء لم يكن يهدأ لحظة واحدة، ولم يكن يكف عن النقد المر، كان يفور بكراهية غريبة نحو البلد ومن فيه، فانتهز فرصة وجوده في إجازة دراسية ثم قرر البقاء هناك.
فقال دكتور بلال: ونجح هناك نجاحا فريدا، في العمل والبحوث على السواء. - وكان هنا ناجحا أيضا فما معنى الهجرة؟! - البيئة العلمية يا أبي! وإليك قصة وكيل قسم بالمستشفى الذي أعمل به، درس حتى حصل على درجة الدكتوراه بامتياز رائع، انتظر أي تقدير فلم يظفر منه بشيء، بل حورب حتى لا يحتل المكان العلمي اللائق به، فما كان منه إلا أن هاجر، ولدى عرض بحثه في الولايات المتحدة تلقى أكثر من عرض للعمل في الجامعات والمستشفيات.
لاحظت أنه كان يتكلم بحدة تقارب الغضب، فقلت: قد يوجد خلل، ولكن ليس للحد الذي يدفع الناجحين إلى الهجرة.
Unknown page