Marāḥ Labīd li-kashf maʿnā al-Qurʾān al-majīd
مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد
Editor
محمد أمين الصناوي
Publisher
دار الكتب العلمية - بيروت
Edition
الأولى - 1417 هـ
Genres
بصؤابة دخل النار إلا أن يعفو الله، وإن تساويا كان من أصحاب الأعراف هذا إن كانت الكبائر فيما بينه وبين الله وأما إن كان عليه تبعات وكانت له حسنات كثيرة جدا فإنه يؤخذ من حسناته فيرد على المظلوم، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فيحمل على الظالم من أوزار من ظلمه ثم يعذب على الجميع ولقد مكناكم في الأرض أي جعلنا لكم يا بني آدم فيها مكانا وأقدرناكم على التصرف فيها وجعلنا لكم فيها معايش أي وجوه المنافع وهي على قسمين ما يحصل بخلق الله تعالى ابتداء مثل خلق الثمار وغيرها، وما يحصل بالاكتساب وكلاهما بفضل الله وتمكينه فيكون الكل إنعاما من الله تعالى وكثرة الأنعام توجب الطاعة قليلا ما تشكرون (10) تلك النعمة ونعم الله على الإنسان كثيرة فلا إنسان إلا ويشكر الله تعالى في بعض الأوقات على نعمه، وإنما التفاوت في أن بعضهم يكون كثير الشكر وبعضهم يكون قليل الشكر
ولقد خلقناكم ثم صورناكم أي خلقنا أباكم آدم طينا غير مصور ثم صورناه أحسن تصوير وتحسن هذه الكناية لأن آدم أصل البشر ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم سجود تعظيم فسجدوا أي الملائكة بعد الأمر إلا إبليس فإنه أبو الجن كان مفردا مستورا بألوف من الملائكة متصفا بصفاتهم فغلبوا عليه في قوله تعالى للملائكة إلخ لم يكن من الساجدين (11) لآدم قال تعالى لإبليس ما منعك ألا تسجد أي ما صرفك إلى أن لا تسجد كما قال القاضي: ذكر الله المنع وأراد الداعي فكأنه تعالى قال: ما رعاك إلى أن لا تسجد لآدم لأن مخالفة أمر الله تعالى حالة عظيمة يتعجب منها ويسأل على الداعي إليها إذ أمرتك والمشهور أن كلمة لا لتأكيد معنى النفي في منعك والاستفهام للتوبيخ ولإظهار كفر إبليس و «إذ» منصوب ب «تسجد» أي ما منعك من السجود في وقت أمري إياك به؟ قال إبليس: أنا خير منه أي إنما لم أسجد لآدم لأني خير منه خلقتني من نار فهي أغلب أجزائي وخلقته من طين (12) أي وهو أغلب أجزائه فالنار أفضل من الطين لأن النار مشرقة علوية لطيفة يابسة مجاورة لجواهر السموات والطين مظلم سفلى كثيف بعيد عن مجاورة السموات والمخلوق من الأفضل أفضل وقد أخطأ إبليس طريق الصواب لأن النار فيها الخفة والارتفاع والاضطراب، وأما الطين فشأنه الرزانة والحلم والتثبت، وأيضا فالطين سبب للحياة من إنبات النبات والنار سبب لهلاك الأشياء والطين سبب جمع الأشياء والنار سبب تفريقها.
قال تعالى: فاهبط منها أي من الجنة وكانوا في جنة عدن وفيها خلق آدم أو اخرج من زمرة الملائكة المعززين فما يكون لك أي فما ينبغي لك أن تتكبر فيها أي في الجنة أو في زمرة الملائكة فاخرج إنك من الصاغرين (13) أي من الأذلاء قال أنظرني أي لا تمتني إلى يوم يبعثون (14) أي آدم وذريته وهو وقت النفخة الثانية وأراد إبليس أن يأخذ ثأره منهم بإغوائهم وأن ينجو من الموت لاستحالته بعد البعث ولأنه قد تم عند النفخة الأولى. قال تعالى: إنك من المنظرين (15) أي من المؤجلين إلى النفخة الأولى فيموت كغيره. قال إبليس: فبما أغويتني
Page 363