322

Marāḥ Labīd li-kashf maʿnā al-Qurʾān al-majīd

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد

Editor

محمد أمين الصناوي

Publisher

دار الكتب العلمية - بيروت

Edition Number

الأولى - 1417 هـ

Genres

Tafsīr

المستحق للعبادة وقل أقيموا الصلاة واتقوا الله تعالى في مخالفة أمره المقصود من ذكر هذين النوعين من الخطاب تنبيه على الفرق بين حالتي الكفر والإيمان. فإن الكافر بعيد غائب والمؤمن قريب حاضر، فيخاطب الكافر بخطاب الغائبين لأنه كالأجنبي الغائب، فيقال له: وأمرنا لنسلم لرب العالمين وإذا أسلم وآمن صار كالقريب الحاضر فيخاطب بخطاب الحاضرين ويقال له:

وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون (72) أي تجمعون يوم القيامة فيجزيكم بأعمالكم وهو الذي خلق السماوات والأرض وما فيهما بالحق أي قائما بالحق لا عابثا ويوم يقول كن فيكون قوله الحق أي وأمره المتعلق بكل شيء يريد خلقه حين تعلقه به هو المعروف بالحقية. والمراد من هذا الأمر التنبيه على نفاذ قدرته ومشيئته في تكوين الكائنات وهذا بيان أن خلقه تعالى للسموات والأرض ليس مما يتوقف على مادة ولا مدة بل يتم بمحض الأمر التكويني من غير توقف على شيء آخر أصلا. والمراد بالقول كلمة «كن» تمثيل لأن سرعة قدرته تعالى أقل زمنا من زمن النطق بكن وله الملك يوم ينفخ في الصور إنما أخبر الله عن ملكه يومئذ لأنه لا منازع له يومئذ فإن الملوك اعترفوا بأن الملك لله الواحد القهار ، والصور قرن ينفخ فيه إسرافيل نفختين نفخة الصعق أي الموت، ونفخة البعث للحساب عالم الغيب والشهادة أي عالم ما غاب عن العباد وما عمله العباد وقوله تعالى: وله الملك يدل على كمال القدرة وقوله: عالم الغيب والشهادة يدل على كمال العلم وهو الحكيم الخبير (73) فالحكيم هو المصيب في أفعاله والخبير هو العالم بحقائق الأشياء من غير اشتباه وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر وهو في التوراة تارح فلأبي إبراهيم اسمان آزر وتارح بن ناحور.

واعلم أن جميع نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم مطهر من عبادة الأصنام ما دام النور المحمدي في أصلابهم أما بعد انتقاله منهم فتجوز عليهم عبادة الأصنام وغيرها من سائر أنواع الكفر أتتخذ أصناما آلهة أي أتجعل لنفسك أصناما آلهة فتعبد أصناما شتى صغيرا وكبيرا ذكرا وأنثى إني أراك وقومك في ضلال مبين (74) أي إني أراك يا أبت وقومك في ضلال عن الحق بين في الاتفاق على عبادة الأصنام وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين (75) أي كما أرينا إبراهيم البصيرة في دينه والحق في خلاف ما كان قومه عليه من عبادة الأصنام نريه ملكوت السماوات والأرض من وقت طفوليته ليراها فيتوسل بها إلى معرفة جلال الله تعالى وقدسه، وعلوه وعظمته وليصير زمان بلوغه من البالغين درجة عين اليقين من معرفة الله تعالى، لأن مخلوقات الله وإن كانت متناهية في الذوات والصفات فهي غير متناهية من جهات دلالتها على الذوات والصفات كما نقل عن إمام الحرمين أنه يقول معلومات الله تعالى غير متناهية ومعلوماته في كل واحد من تلك المعلومات غير متناهية أيضا وذلك لأن الجوهر الفرد يمكن وقوعه في أحياز لا نهاية لها على البدل، ويمكن اتصافه بصفات لا نهاية لها على البدل، وكل تلك

Page 327