Marah Labid
مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد
Investigator
محمد أمين الصناوي
Publisher
دار الكتب العلمية - بيروت
Edition Number
الأولى - 1417 هـ
الله تعالى يجعل في رقابهم طوقا من نار.
قال صلى الله عليه وسلم: «من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجمه الله بلجام من النار يوم القيامة»
«1» . والمعنى أنهم عوقبوا في أفواههم وألسنتهم بهذا اللجام لأنهم لم ينطقوا بأفواههم وألسنتهم بما يدل على الحق. ولله ميراث السماوات والأرض أي له تعالى ما يتوارثه أهلهما من مال وغيره والله بما تعملون من البخل والسخاء خبير (180) فيجازيكم عليه أو فيجازيهم عليه.
لقد سمع الله قول الذين قالوا أي فنحاص بن عازوراء- كما قاله ابن عباس والسدي- أو حيي بن أخطب- كما قاله قتادة- أو كعب بن الأشرف كما نقله ابن عساكر.
روي أنه صلى الله عليه وسلم كتب مع أبي بكر إلى يهود بني قينقاع يدعوهم إلى الإسلام وإلى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وأن يقرضوا الله قرضا حسنا فقال فنحاص اليهودي: إن الله فقير حتى سألنا القرض.
فلطمه أبو بكر في وجهه وقال: لولا الذي بيننا وبينكم من العهد لضربت عنقك. فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنكر ما قاله فنزلت هذه الآية تصديقا لأبي بكر رضي الله عنه والجمع حينئذ مع كون القائل واحدا لرضا الباقين بذلك:
إن الله فقير محتاج يطلب منا القرض ونحن أغنياء ولا نحتاج إلى قرضه سنكتب ما قالوا أي من العظيمة الشنعاء في صحائف الحفظة ليقرأوا ذلك يوم القيامة أو سنحفظه ونثبته في علمنا لا ننساه ولا نهمله، أو المراد سنكتب عنهم هذا الجهل في القرآن حتى يعلم الخلق إلى يوم القيامة شدة جهلهم وطعنهم في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بكل ما قدروا عليه وقتلهم الأنبياء بغير حق في اعتقادهم كما في نفس الأمر أي نكتب عليهم رضاهم بقتل آبائهم الأنبياء بغير جرم. أو المعنى سنحفظ عن الفريقين معا أقوالهم وأفعالهم ونقول عند الموت أو عند الحشر أو عند قراءة الكتاب أو عند الإلقاء في النار ويحتمل أن يكون هذا القول كناية عن حصول الوعيد، وإن لم يكن هناك قول.
وقرأ حمزة «سيكتب» بالياء وضمها على لفظ ما لم يسم فاعله وقتلهم برفع اللام ويقول بالياء. والباقون بالنون ونصب اللام من قتلهم. وقرأ الحسن والأعرج «سيكتب» بالياء وبالبناء للفاعل ذوقوا عذاب الحريق (181) أي المحرق ذلك أي العذاب المحرق بما قدمت أيديكم أي بسبب ما اقترفتموه من التفوه بتلك العظيمة وغيره من المعاصي وأن الله ليس بظلام للعبيد (182) أي والأمر أنه تعالى ليس بمعذب لعبيده بغير ذنب من قبلهم. الذين قالوا نصب على الذم أو جر نعتا ل «الذين» الأول. أي لقد سمع الله قول الذين قالوا.
Page 170