Marah Labid
مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد
Investigator
محمد أمين الصناوي
Publisher
دار الكتب العلمية - بيروت
Edition Number
الأولى - 1417 هـ
قرأ ابن عباس وابن مسعود «يخوفكم أولياءه» . وقرأ أبي بن كعب «يخوفكم بأوليائه» ، أي ذلكم المثبط الشيطان يحوفكم أيها المؤمنون المشركين أبا سفيان وأصحابه.
وقال الحسن والسدي: معنى هذه الآية الشيطان يخوف أولياءه الذين يطيعونه ويختارون أمره- وهم المنافقون- ليقعدوا عن قتال المشركين. فأما أولياءه الله فإنهم لا يخافون الكفار إذا خوفهم الشيطان ولا ينقادون لأمره فلا تخافوهم أي أولياء الشيطان بالخروج إليهم وخافون في مخالفة أمري بالجلوس إن كنتم مؤمنين (175) فإن الإيمان يقتضي تقديم خوف الله على خوف الناس ويستلزم عدم الخوف من شر الشيطان وأوليائه ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر.
قرأ نافع «يحزنك» بضم الياء وكسر الزاي في جميع ما في القرآن إلا قوله تعالى لا يحزنهم الفزع الأكبر [الآية: 103] في سورة الأنبياء فإنه فتح الياء وضم الزاي كباقي القراء في جميع ما في القرآن إنهم لن يضروا الله شيئا. اختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآية فقيل: إنها نزلت في شأن كفار قريش والله تعالى جعل رسوله آمنا من شرهم. والمعنى لا يحزنك من يسارع في الكفر بنصرته بأن يقصد جمع العساكر بمحاربتك وإبطال هذا الدين وإزالة هذه الشريعة. وهذا المقصود لا يحصل لهم بل يضمحل أمرهم وتزول شوكتهم ويعظم أمرك ويعلو شأنك فإنهم لن يضروا الله شيئا بهذا الصنيع وإنما يضرون أنفسهم. وقيل: نزلت في شأن المنافقين إنهم كانوا يخوفون المؤمنين بسبب وقعة أحد ويؤيسونهم من النصر والظفر. وقيل: نزلت في شأن رؤساء اليهود كعب بن الأشرف وأصحابه الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم لمتاع الدنيا يريد الله بذلك ألا يجعل لهم حظا من الثواب في الآخرة أي الجنة ولهم عذاب عظيم (176) في النار إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم (177) قال ابن عباس: هم المنافقون اختاروا الكفر على الإيمان فإنهم متى كانوا مع المؤمنين أظهروا الإيمان، فإذا خلوا إلى شيطانهم كفروا وتركوا الإيمان فكان ذلك كأنهم اشتروا الكفر بالإيمان. ويمكن حمل هذه الآية على اليهود، ومعنى اشتراء الكفر بالإيمان منهم أنهم كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم ويؤمنون به قبل مبعثه، ويستنصرون به على أعدائهم فلما بعث كفروا به وتركوا ما كانوا عليه فكأنهم أعطوا الإيمان وأخذوا الكفر بدلا عنه كما يفعل المشتري من إعطاء شيء وأخذ غيره بدلا عنه ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم أي نمهل لهم بتطويل الأعمار خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما أي ذنبا
في الدنيا ودركات في الآخرة ولهم عذاب مهين (178) يهانون به يوما فيوما وساعة بعد ساعة.
قال الفخر الرازي: بين الله تعالى في هذه الآية أن بقاء هؤلاء المتخلفين عن القتال ليس
Page 168