إن هناك عشرات الآلاف من نسائنا الأرامل أو المطلقات أو العواقر اللاتي لا يعملن، بل يبقين في البيت معطلات. وبطالتهن مجموعة من المساوئ؛ إذ هي عقم ذهني وترهل جسمي. أو هي نشاط انفرادي ضار وسأم يضني حياتهن. وهن لهذا الوضع لا يجدن البواعث لأي نشاط اجتماعي، حتى الجريدة لا يقرأنها. لأنهن محرومات من حقوقهن في السياسة، فلا يجدن الاهتمام لبحثها، وإنما يقضين فراغهن في قراءة القصص الغرامية والمجلات الرخيصة.
وقراءة الجريدة، ودراسة الكتاب، كلتاهما نشاط اجتماعي وليس انفراديا؛ لأننا نقرأ وندرس المجتمع أو أشياء المجتمع، فإذا فصلنا منه فإننا لا نجد الباعث للقراءة أو الدراسة الجدية، ولذلك ليست نساؤنا المعطلات حبيسات البيت وإنما هن أيضا حبيسات الجهل.
إن كل امرأة فاضلة يجب أن تعمل، وأن تحس أنها تنتج للمجتمع أكثر مما تستهلك. ولست أنسى هنا أن إنتاج الأبناء هو أعظم أنواع الإنتاج وأشرفه، ولكن المرأة لا تقضي عمرها كله، أو 365 يوما في السنة، في هذا الإنتاج. ثم هي قد تكون عاقرا، فلم نحرمها أنواع الإنتاج الأخرى؟
إن زوجة العامل، وكذلك زوجة الفلاح، تعملان وتنتجان إما في المنزل أو في الحقل، بل كذلك تفعل الزوجة في الطبقة المتوسطة الفقيرة التي تعنى بأبنائها وتدبر منزلها. ولكن الزوجة في الطبقة العالية الثرية، وكذلك في الطبقة المتوسطة المتيسرة، لا تجد ما تعمله في البيت. فيجب أن تعمل خارجه.
إن إحساس الإنتاج هو إحساس الصحة النفسية، وهو إحساس الخير الاجتماعي. وهو إحساس الصلاح في المعنى العصري. فيجب أن نجعل قلب المصرية وضميرها يحفلان ويشبعان من هذه الإحساسات البارة النبيلة.
إن إدارة متجر للبقالة، أو الفواكه، أو الأقمشة، أو الأزياء، أو الأجهزة الكهربائية الجديدة، مثل الثلاجات والراديوات والغسالات، هذه الأعمال وغيرها مما تمارسه المرأة المحترفة كالطب والتمريض والتعليم، يصل بين المرأة وبين المجتمع ويجعلها تختلط فتتربى وتعرف وتنمو.
وليس الاختلاط هنا للتفرج وإنما هو للإنتاج والخدمة؛ وعندئذ تتفاعل المرأة بالمجتمع، فينمو ذكاؤها بالتدريب وتكبر شخصيتها بالمسئولية وتزداد بصيرة في الدنيا وحكمة في العيش.
وقد تكون بعض الأعمال التي ذكرتها هنا متواضعة، ولكنها خير ألف مرة من بقاء المرأة بالبيت معطلة تتعفن وتركد ولا تنمو ولا تتربى بالمعرفة والاختلاط.
إن غايتنا في هذه الدنيا أن نكبر وننضج ولا يمكن ذلك للمرأة إذا كنا نحبسها في البيت ونعطل ذكاءها ونلغي شخصيتها. ومن حق المرأة أن تحيا الحياة الحرة المسئولة، ولا تمكن مسئولية بلا حرية حتى تجد الكرامة الإنسانية وحتى تعرف الآفاق الاجتماعية في الخير والشرف والخدمة والفهم.
من رفاعة الطهطاوي إلى قاسم أمين
Unknown page