هذه أربعة اختلافات تستحق الدرس. وعندي أن بؤرة هذه الاختلافات جميعها تنحصر في أن الغرب يمارس الصناعة في حين أن الشرق يمارس الزراعة، وأن الشرقيين لو عقلوا لآثروا إنشاء مصنع على تأسيس جامعة. ولكني أترك هذا الموضوع كي أتناول موضوعا آخر، هو اختلاف النظرتين للمرأة.
المرأة المثلى عندنا هي الخادرة أو المخدرة، التي نحبها ونرفع من شأنها، إلى حد أننا نربأ بها عن أن تعمل كما يعمل الرجال، فتصطدم بالحوادث، وتتلوث بأدران المصنع، وتلهث وراء الآلات، وتختلط بالرجال وتتحدث إليهم وتباريهم في الصبر على الجهد والتدبير للمستقبل. أجل إننا نربأ بها عن أن تكون تاجرة أو صانعة أو نائبة أو وزيرة؛ ذلك لأننا نحب أن تبقى مرتاحة في البيت، لا شأن لها بالفلسفة والسياسة ولا بالكسب أو المزاحمة.
ونحس، نحن الرجال الشرقيين، أننا يجب أن نحوط المرأة بالرعاية والحماية. وبعض منا - نحن الشرقيين - يبالغ في احترامه للمرأة، حتى إنه يحوطها بجدران البيت فلا تخرج منه طوال عمرها ... من ليلة العرس إلى ليلة المأتم. وهذه عناية أقصى العناية، وحماية أقصى الحماية على الأسلوب الشرقي.
ونتيجة هذه العناية أو الحماية العظمى أن المرأة الشرقية تخدر في البيت؛ وتعود خادرة - أي مخدرة - فلا تعمل ولا تفهم أن للحياة هدفا وأنها تحتاج إلى منهج؛ لأن هذا من شئون الرجال وحدهم، أما هي فلها نعيم الراحة وخلو البال.
ولكن هذه الراحة، هذا البال الخلي، هما علة الركود الذهني الذي ينتهي إلى التبلد والتجمد، وعلة الركود الجسمي الذي ينتهي إلى التضخم والترهل؛ ولذلك نحن الرجال هذه الأيام في قلق عظيم عن مصير العالم، كلما قرأنا أخبار كوريا تفززت أعصابنا، وكلما رأينا أثمان القطن تذكرنا أزماتنا. نحن الرجال نقرأ ونعمل، ونختلط بالمجتمع، وتصدمنا الحوادث وتنزل بنا المصاعب، فنتعب ونتألم. ولكن المرأة المصرية الشرقية لا تتعب ولا تتألم.
لنا نحن الرجال آفاق وآمال، نقتحم الأخطار ونتعلم منها. أما هي فمخدرة قد حدت جدران البيت وشئونه من آفاقها وآمالها.
المرأة المصرية الشرقية هي إنسان بلا أخطار، هي إنسان بلا حوادث، هي إنسان بلا تربية؛ لأن الذي يربينا نحن الرجال هو الأخطار والحوادث.
أما المرأة الأوربية فتعمل وتجهد، وتتبذل فيما لا تتبذل فيه المرأة الشرقية. وهي منتجة في الصناعة والزراعة والتجارة والتعليم. وهي تصطدم بالدنيا وكوارثها، وتشترك في الانتخابات، وتجادل وتناقش فيتنبه ذهنها، وقد تتلوث يدها من العمل، ولكنها إذا عادت إلى بيتها تخلصت من هذا التلوث، أو هي لا تباليه لأنها لا تعد نفسها ريحانة الرجل؛ إذ هي مستقلة لها منهج وهدف في الحياة. أجل إنها ليست لعبة الرجل.
هي إنسان قد خلق للمتعة والكارثة، وهي تحيا على المستوى العالي؛ أي هذا المستوى الاجتماعي الذي نحيا نحن الرجال عليه في مصر؛ مستوى التجارب والكوارث والمتع والاختبارات.
ثم هي منتجة.
Unknown page