مقدمة
أيتها المرأة لا تكوني لعبة
الأصل البدائي للحجاب
الرق والمرأة
بؤس المرأة في مصر
شذوذ قهري
جريمتنا نحو المرأة
المرأة الغربية والمرأة المصرية
الذكاء والعبقرية والمرأة
نساؤنا المتعطلات
Unknown page
من رفاعة الطهطاوي إلى قاسم أمين
نصفنا الآخر
فلسفتنا عن المرأة
المرأة التي تعمل في المجتمع
رئيسات للمحاكم
سفيرات ووزيرات
الرقص والشخصية
قوات التحرير الجديدة
وزارة للعائلة
هؤلاء الأمهات
Unknown page
الزوج زميل زوجته وليس رئيسها
مقدمة
أيتها المرأة لا تكوني لعبة
الأصل البدائي للحجاب
الرق والمرأة
بؤس المرأة في مصر
شذوذ قهري
جريمتنا نحو المرأة
المرأة الغربية والمرأة المصرية
الذكاء والعبقرية والمرأة
Unknown page
نساؤنا المتعطلات
من رفاعة الطهطاوي إلى قاسم أمين
نصفنا الآخر
فلسفتنا عن المرأة
المرأة التي تعمل في المجتمع
رئيسات للمحاكم
سفيرات ووزيرات
الرقص والشخصية
قوات التحرير الجديدة
وزارة للعائلة
Unknown page
هؤلاء الأمهات
الزوج زميل زوجته وليس رئيسها
المرأة ليست لعبة الرجل
المرأة ليست لعبة الرجل
تأليف
سلامة موسى
مقدمة
يؤخذ من إحصاء نشرته «الأخبار» في القاهرة أن عدد الطالبات في جامعاتنا الثلاث في يناير من 1956 بلغ 5736 طالبة يتعلمن، وسوف يتخرج منهن عدد كبير بعد عام أو أكثر وقد درسن الحقوق أو الآداب أو العلوم.
وهذا العدد، مضافا إليه نحو عشرين ألف طالبة في المدارس الثانوية، سوف يغزو المجتمع المصري بذكاء مدرب، وكرامة مؤيدة، وبعائلات تبنى على أساس من الأمهات المتعلمات. وعندئذ يرقى هذا المجتمع المصري فلا يكون، كما هو الآن، مجتمعا انفصاليا لا يختلط فيه الرجال بالنساء.
لقد كان هذا المجتمع المصري يحيا على الرجال وحدهم. وكانت المرأة، المضروب عليها الحجاب، تعيش بين أربعة جدران في المنزل، تختبئ وراء الأبواب والشبابيك. بل كانت الشبابيك مشربيات مخرمة تتيح لها النظر إلى الشارع حين تلصق وجهها بخروم المشربية حتى ترى شيئا من حركة الناس والأشياء، وحتى تحس أنها لا تزال حية أو أن لها من الحياة العامة جزءا مهما صغر.
Unknown page
ولكن هذا التعليم الذي أخذت به فتياتنا في مراحله الثلاث، الابتدائية والثانوية والعليا، قد نقل المرأة المصرية إلى مستوى رفيع يقسر الرجل على احترامها ويقسرنا جميعا على تغيير القوانين الجائرة التي أذلتها.
ولست أشك في أن عاداتنا الموروثة في قتل امرأة بدعوى العرض إنما هي في صميمها احتقار للمرأة؛ للمركز المهين الذي أنزلناها إليه بتقاليدنا السوداء، وأن هذا القتل سيزول حين يحس أعضاء العائلة، أو حتى أعضاء الأسرة، أن هذه الفتاة العذراء أو هذه السيدة المتزوجة قد أصبح لها حرمة ومكانة بسبب تعلمها.
ولن يجرؤ أخ أو ابن عم أو أب على قتل فتاة عذراء لأن أحدهم ضبط خطابا قد أرسل إليها يحتوي كلمات عن الحب؛ ذلك لأن الفتاة المتعلمة قد اكتسبت بتعلمها شخصية قوية واستقلالا روحيا بحيث تجرؤ على أن تسوس حياتها كما تشاء وتتحمل مسئولياتها كما تقدر. وليس كما يقدر غيرها.
وهذه الشخصية، وهذا الاستقلال، سيكفان كل متنطع، يزعم الدفاع عن العرض، عن أن ينتقدها ويحمل السكين أو المسدس لقتلها؛ إذ هي أعرف منه بحقيقة سلوكها وسياسة حياتها.
وكثير من فتياتنا، خريجات الجامعات، يتزوجن، بل الأغلب أنهن كلهن ينشدن الزواج ويجدن الأكفاء لهن من الشبان المتعلمين مثلهن. وهذا حسن؛ لأن خير ما يستمتع به إنسان هو أن يحيا في عائلة، وأن يكلف واجبات، لها متاعبها ولذاتها، ولكنها رفيعة في القيمة الإنسانية. وليس في الدنيا أبعث على إحساس السعادة وأجمل من الحب بين شاب وفتاة يؤسسان بيتا ويعيشان هذه العيشة الزوجية التي تسمو على الأنانية وتهدف إلى التعاون بين اثنين قد ربطهما الحب وتربية الأطفال.
ولكني أنصح لجميع الزوجات، خريجات الجامعات، بل حتى أولئك اللائي لم يحصلن إلا على الشهادة التوجيهية، ألا يقتصرن بعد الزواج، على خدمة البيت؛ إذ ماذا في البيت يستحق أن ترصد له الزوجة نفسها ووقتها وفراغها؟
يجب على المرأة المتعلمة أن تعمل خارج البيت وتؤدي خدمة اجتماعية لوطنها؛ وذلك بأن تستغل جميع الفرص والوسائل الجديدة التي تجعل أداء الواجبات المنزلية سهلا يستغرق الدقائق بدلا من الساعات. كما تجعل تربية الأطفال فنية في أيدي المربيات في المحضن أولا إلى سن الرابعة، ثم في الروضة ثانيا إلى سن السادسة أو السابعة.
إنه حسن وجميل أن تكون المرأة زوجا وأما، ولكن واجبات الزواج والأمومة لا يمكن أن تستغرق كل الوقت، النهار والليل، عند المرأة المتعلمة؛ ولذلك يجب عليها أن تستغل معارفها ومهارتها في عمل اجتماعي آخر إلى جانب الزواج والأمومة.
وهذا العمل الاجتماعي الآخر هو الذي يصل بينها وبين المجتمع، ويكسبها العقل الاجتماعي، ويربي شخصيتها ويدرب ذكاءها ويؤكد استقلالها؛ وأعني هذا الاستقلال بأنواعه الاقتصادي، والروحي، والاجتماعي.
على المرأة أن تحيا حياتها لنفسها أولا ثم لمجتمعها وزوجها وأبنائها. كما على الرجل أن يحيا حياته، مثل المرأة، لنفسه أولا ثم لمجتمعه وزوجته وأبنائه.
Unknown page
والرجل لا يتخصص للزواج. وكذلك المرأة يجب ألا تتخصص للزواج؛ ذلك لأن حياتنا، نحن الرجال والنساء، أغلى من هذا وأرحب من أن يحتويها هذا التخصص.
وليس من حق أحد في الدنيا أن يقول للمرأة: عيشي في البيت طيلة عمرك، ثمانين أو تسعين سنة، لا تختلطي بالمجتمع ولا تؤدي عمل المحامي أو الطبيب أو الصانع أو الكيماوي أو الفيلسوف. وإنما اقصري كل قوتك وكل وقتك على الطبخ والكنس وولادة الأطفال.
لا، إن المرأة العصرية أرحب آفاقا وأكثر اهتماما من أن يستغرق المنزل كل حياتها.
أيتها المرأة لا تكوني لعبة
إني أدعوك، أيتها المرأة المصرية، إلى أن تثبتي وجودك الإنساني والاجتماعي في الدنيا بالعمل والإقدام، وأن تختاري حياتك واختباراتك.
أدعوك إلى أن تدربي ذكاءك، وتربي شخصيتك، وتستقلي في تعيين سلوكك، وتزدادي فهما وخيرا ونضجا بالسنين.
لا تكوني لعبة نلعب بك نحن الرجال، للذتنا نشتري لك الملابس الزاهية، والجواهر المشخشخة، ونطالبك بتنعيم بشرتك، وتزيين شعرك، وكأن ليس لك في هذه الدنيا من سبب للحياة سوى أنك لعبتنا نلعب بك ونلهو.
ليس شك أن أنوثتك جميلة، وليس شك أنك تعتزين بجمالك وتعنين به. ولكن لا تكوني لعبة.
أنت إنسان لك جميع الحقوق الإنسانية التي للرجل، فلا تقبلي أن ينكر عليك أحد هذه الحقوق وأن يعين لك طراز حياتك.
أنت إنسان لك حق الحياة واقتحام التجارب البشرية وحق الإصابة والخطأ؛ لأنك، بغير ذلك، لا تحصلين على تربية إنسانية؛ أي لا تكبرين ولا تنضجين بل تبقين طفلة ولعبة ولو بلغت الستين أو السبعين من العمر.
Unknown page
سيقال لك إن البيت هو دائرة نشاطك. وهو كذلك إذا شئت أنت، ولكن ليس لأن هناك حكما سماويا قهريا يجبرك على الطاعة وعلى البقاء في البيت. ثم اذكري أنه ليس في الدنيا بيت يمكنه أن يستوعب كل نشاط المرأة.
البيت أصغر من أن يستوعب كل إنسانيتك، وكل عقلك، وكل قلبك؛ لأن الدنيا الواسعة هي بيتك الأول.
يجب أن تحيي في الدنيا قبل أن تحيي في البيت، أو مع حياتك في البيت.
أنت لست خادمة الرجل يلعب بك ويلهو، وتنجبي له الأطفال، وتطبخي له الطعام، وتغسلي له المرحاض.
أنت شريكته إذا شئت، ولست خادمته.
أنت أم الرجل، وأخته، وزوجته، وزميلته. ولكن يجب ألا تكوني خادمته أو لعبته.
أنت ثمرة ألف مليون سنة من التطور، ولك قدرة على الفهم لم يرتفع إليها حي في كل هذه السنين. فلا تبخسي قدرك، وتحيلي شخصيتك إلى لعبة. ولا ترضي بأن تكوني خادمة الرجل؛ إذ هو لا يمتاز عليك بأية ميزة.
أنت أغلى في تقدير الطبيعة من أن تكوني لعبة أو خادمة. وأنت تخونين روحك إذا لم تستقلي في هذا الكون، وتحيي الحياة المستقلة، وتنظري النظرة المستقلة إلى شئون العيش.
إن الرجال يتهمونك بأنك غير ذكية، غير شجاعة، غير سخية، غير بصيرة، لم تتفوقي في الاختراع أو الاكتشاف، ولم تبرزي في العلوم أو الفنون.
وكل هذه التهم صحيحة.
Unknown page
ولكنها صحيحة لأنك تمضين حياتك محبوسة بين أربعة جدران في البيت، ولو قدر لنا نحن الرجال أن نحبس كذلك لكنا في هذه الحال التي تتهمين أنت بها.
ذلك أن الذكاء والشجاعة والسخاء والتبصر والاختراع والاكتشاف، كل هذه الأشياء، هي بعض النشاط الاجتماعي الذي يدعونا إليه المجتمع ويبعث فينا، حين نختلط به ونتفاعل معه، تلك العواطف التي تحثنا على النشاط الذهني أو الجسمي.
لماذا يكبر ذكاؤك إذا كان البيت لا تحتاج واجباته إلا إلى مقدار صغير منه؟ هل الطبخ يحتاج إلى ذكاء كبير؟ هل غسل الملابس يحتاج إلى ذكاء عظيم؟
لماذا تكونين عبقرية؟ هل إدارة البيت تحتاج إلى ذهن عبقري؟
لماذا تحسين المسئوليات الاجتماعية في البر والسخاء والتبصر؟ هل البيت يحتاج إلى كل هذه الصفات؟
إننا، نحن الرجال، لاختلاطنا بالمجتمع، نرسم «تصميم» حياتنا قبل أن نبلغ العشرين؛ وذلك لأن المجتمع يوسع لنا في الطموح. فقد يهدف أحدنا في هذه السن أو قبلها إلى أن يكون وزيرا أو سفيرا أو طبيبا أو معلما أو فيلسوفا أو مهندسا أو عالما أو تاجرا؛ وعندئذ يجد في هذا الهدف وسيلة إلى النشاط الذهني أو العاطفي تحمله إلى غايته فيبلغها، ويجد فيها الرابطة التي تربطه بالمجتمع وتحرك ذكاءه.
ولكن أنت لا تهدفين إلى مثل هذا الهدف لأن المجتمع يفصلك، وكأنه ينبذك؛ وعندئذ لا تجدين العاطفة التي تحثك على النشاط، أي لا تجدين الوسائل لتدريب ذكائك وشجاعتك وسخائك وبصيرتك.
أنت معطلة الذهن لأنك لا تهدفين إلى الأهداف الاجتماعية العظيمة التي يهدف إليها الرجل. ونتيجة ذلك أنه يدرب ذهنه فيكون ذكيا بل عبقريا. أما أنت فلا تدربين ذهنك بل تعطلينه.
إنما يتربى الذكاء والفهم والعبقرية بالاشتباكات الاجتماعية، ومصادمة المشكلات في المجتمع ومحاولة حلها. ولا ذكاء ولا عبقرية ولا فهم لإنسان ينفصل من المجتمع.
أنت، أيتها المرأة المصرية، مفصولة من المجتمع؛ ولذلك لا يجد ذكاؤك التدريب الذي يحتاج إليه، فيتبلد.
Unknown page
أنت تحيين على هذه الدنيا 70 أو 80 سنة، فلماذا تحيينها في حدود وقيود؟
إننا نحن الرجال نستمتع بالتجربة؛ أي نستمتع بالتربية.
وليست التربية ما نتعلمه في مدرسة أو جامعة، إنما هي تجارب الحياة واختباراتها وما نصيب وما نخطئ.
وليس الخطأ سوى إصابة سلبية؛ فيجب ألا نخشاه.
يجب أيتها المرأة المصرية أن تزاملي الرجل في العمل، ولا تعملي وحدك. بل يجب أن تبدئي الزمالة من الطفولة، تتعلمين وأنت صبية مع الصبايا، وأنت فتاة مع الشبان، ثم تزاملي الرجل في المكتب والمتجر والمصنع.
نحن الرجال والنساء يجب ألا ينفصل أحد جنسينا عن الآخر؛ لأننا عندما ننفصل نقع في شذوذات جنسية بشعة ، بل نقع أيضا في شذوذات ذهنية وعاطفية، فلا نحسن التفكير، ولا نستطيع معالجة أي موضوع إنساني بذكاء فضلا عن عبقرية.
كوني إنسانا كما أنت امرأة، ولكن لا تقنعي بأن تكوني أنثى، زاهية الملابس، مصففة الشعر، مجلوة البشرة، تشخشخين بالذهب والألماس.
لا تكوني لعبة نلعب بك ونلهو، حتى إذا شبعنا منك، وبشمنا، تجشأنا وعزفنا.
إننا نحن الرجال نبسط ذكاءنا على بساط رحب من الأعمال والاهتمامات والدراسات، ندرس الجيولوجية ونستخرج البترول من جوف الأرض، ونخترع الطائرات، ونسيح في الهند وأمريكا، ونمارس التجارة، وندرس الفلسفة، ونسافر إلى برلين أو روما أو باريس، ونشتغل بالسياسة، ونهدف إلى أن نكون وزراء أو علماء؛ ولذلك ينشط ذكاؤنا، وقد يرتفع إلى ما نسميه العبقرية.
هذه العبقرية ليست شيئا موهوبا مقصورا على الرجال، إنما هي ثمرة الاهتمامات والأعمال التي تربطنا بالمجتمع وشئونه من علم أو فن. فإذا اشتبكت أنت في المجتمع فإنك ستذكين وقد ترتفعين إلى العبقرية.
Unknown page
إن الفصل بين الجنسين، وقصر نشاطك الذهني والجسمي على البيت، قد ملأ هذا المجتمع المصري بآثام وشرور كادت تحيل أفراده أو بعض أفراده إلى حيوانات.
هذا الفصل هو علة الشذوذ الجنسي الذي يجعل من الرجل حيوانا، قبيحا، زريا، مريضا، يحيا في هذه الدنيا حياة سرية يفترس الصبيان ويفسدهم ويحرفهم عن رجولتهم القادمة. ولا علاج لهذه العاهة إلا بالاختلاط بين الجنسين، حتى يتجه الاشتهاء الجنسي وجهته الطبيعية ولا ينحرف، بحيث يحب الرجل المرأة ولا يحب الغلام ...
ثم قارني بين المرأة المخدرة التي تلزم بيتها وتتبرج لزوجها وبين المرأة المنتجة العاملة. الأولى انفرادية تحمل في نفسها جميع المساوئ التي تنشأ من الأنانية الانفرادية فضلا عن تحديد ذهنها بالمحظورات والمحرجات. أما الثانية فاجتماعية، تحمل في نفسها جميع الفضائل الاجتماعية، وأولها حرية التفكير وحرية التجربة وحب الخير العام.
إن الفضيلة، مثل الذكاء، عادة اجتماعية؛ إذ ليس هناك معنى للصدق أو الخير العام، أو الإنسانية، أو الحب للبشر، أو الشهامة، أو الشجاعة، إلا فيما يصل بيننا وبين المجتمع.
قد يقال لك إنك أكرم من أن تلوثي بأدران المجتمع، ولكن إذا كان المجتمع ملوثا فهو يحتاج إليك كي تطهريه.
وقد يقال إن البيت يحميك من كوارث الدنيا، ولكن هذه الكوارث تربينا. وحقك في التربية والنمو والنضج هو في النهاية حقك في الاقتحام ولقاء الكوارث.
تعلمي صناعة، واحترفي حرفة قبل الزواج، حتى تختاري زوجك عن حب وتقدير وليس لأنه سيعولك لأنك عاطلة تعجزين عن أن تعولي نفسك. والصناعة فوق ذلك تصون كرامتك، وتصل بينك وبين المجتمع، وتكسبك الإحساسات الاجتماعية.
إن أخطر ما تعملينه في حياتك، أيتها الفتاة، هو اختيارك لزوجك؛ ذلك أنك بهذا العمل قد اخترت رجلا سوف يحيا معك ويعاشرك طيلة عمرك. وسوف يكون أبا لأبنائك، وعلى قدر ما فيه من ميزات بيولوجية، مثل الذكاء الفطري والصحة الجسمية وجمال القوام والوجه، سيكون كل ذلك أو معظمه في أبنائك بنتيجة الوراثة.
ثم على قدر ما فيه من أخلاق ومطامع وعادات سيكون كل ذلك أو معظمه في أبنائك بعامل القدوة.
فلا تهملي الدقة في الاختيار، واجعلي هدفك أن يكون هذا الزوج الذي تختارينه زوج العمر، زوج الحياة، بحيث لا تشكين في أنه سيسأمك ويتزوج غيرك بعد سنة أو سنتين.
Unknown page
ولن تعرفي ذلك إلا إذا كنت قد تعرفت عليه قبل الزواج بجملة شهور، أو بعام كامل، تدرسين أخلاقه وأهدافه وفلسفته في الحياة وآراءه الاجتماعية والإنسانية. ولذلك لا تتعجلي، ولا تغتري، بل تمهلي واستأني.
ثم تذكري أننا كلنا نقول بضرر الطلاق يجري جزافا واستهتارا. فإذا كنت أنت من هذا الرأي، وهذا ما لا شك فيه، فيجب ألا تتزوجي رجلا قد طلق زوجته إلا بعد أن تدرسي الأسباب والحجج التي بنى عليها هذا الطلاق. فإذا وجدت أنه كان عادلا فتزوجيه، وإلا عدلت عنه حتى يجد من هذه المقاطعة ما يردعه في المستقبل عن الاستهتار.
وكذلك نحن نقول بأن تعدد الزوجات يفسد العائلات، ويحطم أواصر القرابة، ويبعث الإحن بين الأبناء. فعليك ألا تتزوجي رجلا يجعل لك ضرة كما يجعلك أنت ضرة لزوجة أو لزوجتين أخريين. ولا يمكن أن تتحقق المساواة التي تنشدينها بالجنس الآخر إذا كنت ترضين بأن تكوني واحدة من جملة زوجات لرجل واحد.
إن المساواة بين الجنسين تقتضي الزواج من امرأة واحدة، والرجل الذي يتزوج بأكثر من واحدة إنما يلعب ويعبث بإنسانيتك ويحيلك إلى أنثى فقط.
وإذن عليك قبل الزواج أن تتعلمي حرفة أو صناعة، حتى لا يحملك عجزك عن أن تعولي نفسك على الارتماء والرضا بأي زوج يحمل عنك هذا العبء ويكسب لك؛ لأنك عندئذ لا تختارين زوجا صالحا للمعاشرة جديرا بالأبوة لأبنائك، وإنما تختارينه عائلا يقيتك، ويقيتك فقط. وعندئذ قد يكون دميما، فتنتقل الدمامة إلى بناتك وأبنائك. وقد يكون مغفلا، فتنتقل الغفلة إلى بناتك وأبنائك. وقد يكون رذلا، فتنتقل رذائله بالقدوة إلى أبنائك.
تعلمي حرفة تكسبك الاستقلال الاقتصادي الذي يتيح لك الاختيار الحسن للزوج.
والكلمة الأخيرة: لا تنفصلي من المجتمع.
فإذا استطعت أن تحترفي حرفة وأنت متزوجة فافعلي. وإذا لم تستطيعي ذلك فلا تكفي عن الاشتراك في النشاط الاجتماعي للمرأة بأن تكوني عضوة في جمعية خيرية أو هيئة اجتماعية تزيد إحساسك الاجتماعي، وتربي ضميرك، وتفتأ تذكرك بأنك إنسانة قبل أن تكوني أنثى.
الأصل البدائي للحجاب
في اللغة العربية كلمة يمكن - كما هو الشأن في كلمات أخرى - أن تهدينا إلى الأصول البدائية التي نشأ منها الحجاب. هذه الكلمة هي: دم.
Unknown page
فمن الدم اشتق العرب البدائيون، قبل آلاف السنين، الدميم والدميمة، وكذلك الدمامة، بمعنى القبح في الوجه.
ذلك أن الإنسان البدائي، قبل أن يعرف الزراعة، كان يقتات بالجذور أو الثمار البرية يجنيها من الغابات التي كانت تملأ الدنيا. وكان إلى ذلك الوقت لا يعرف السير جماعات أو قبائل. ولكنه كان مع ذلك يعرف العائلة؛ عائلة الأم فقط دون الأب.
كانت عائلة الإنسان البدائي تشبه عائلة الحيوان في وقتنا؛ أي تتألف من الأم وأبنائها في سن الرضاع أو ما يتجاوزه بقليل حين يستطيع هؤلاء الأبناء أن يستقلوا ويتركوا الأم، ولم يكن هناك مكان للأب في هذه العائلة الأولى؛ لأن العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة لم تكن تزيد على إشباع الشهوة. وكان الاعتقاد السائد أن الأم وحدها هي التي تنجب الأطفال.
ولا يزال هذا الاعتقاد عاما عند بعض القبائل البدائية. كما أثبت ذلك مالينوفسكي في كتابه «الحياة الجنسية بين المتوحشين». فإن هؤلاء المتوحشين يقولون بأن المرأة تحمل لأن روحا أو طائفا يزورها وهي نائمة، فيلقي في رأسها بذرة الطفل الذي ينحدر إلى رحمها ويستقر وينمو حتى يولد.
واللغة العربية تدلنا على هذا الاعتقاد؛ فإن كلمة «حيا» تعني عضو التناسل في المرأة. وقد اشتقت منه كلمة «الحياة»؛ وذلك للاعتقاد بأن المرأة، عن سبيل الحيا، هي أصل الحياة. أما الرجل فلا شأن له في ذلك، واتصاله بالمرأة لا يزيد على أن يكون للذة والمتعة.
وبقاء الأطفال في حاجة إلى الرضاع والحمل نحو سنة أو أكثر، ثم حاجتهم بعد ذلك إلى من يحميهم من الوحوش، جعل بقاءهم مع الأم ضروريا نحو ثماني أو عشر سنوات. بل ربما أكثر. ثم حاجتهم بعد ذلك إلى من يحميهم من الوحوش، جعل تعلمهم كيف يتقون أعداءهم، وكيف يبحثون عن الثمار البرية، وكيف يتفاهمون بالكلمات القليلة التي يأخذونها عنها.
العائلة البشرية هي الأم مع أطفالها بلا أب. وكان قوت هذه العائلة هو الجذور والديدان والثمار فقط. ولم يكن لهذه العائلة من آلات سوى القليل جدا من الأحجار التي تستدق في طرف للحفر عن الجذور أو الديدان.
ولكن هذه العائلة تغيرت بعد ذلك من عائلة الأم إلى عائلة الأب حين عرف الإنسان البدائي الصيد.
وقد أدى الصيد إلى نتيجتين:
الأولى:
Unknown page
أن يتعاون الرجال على ترصد الحيوان الذي يراد صيده؛ بأن يكمنوا له في جملة مواضع مختفين. حتى إذا ظهر احتوشوه، ثم هجموا عليه بما في أيديهم من آلات حجرية فمزقوه. ولكن إذا كان الحيوان قويا مثل الفيل أو الكركدن أو الجاموس، فإنهم كانوا يهيئون له حفرة يتردى فيها عندما يحتوشونه.
ولم يكن يخرج للصيد سوى الرجال؛ لأن المرأة كانت على الدوام حاملا أو مرضعا أو أما يتبعها الصغار. فكان الخطر عليها كبيرا من الصيد؛ ولذلك اقتصر الصيد على الرجال فنشأ مجتمع الرجال .
الثانية:
أصبحت المرأة، لعجزها عن الصيد، ترضى بالاستجابة الجنسية للرجل إذا كان يمنحها شيئا من صيده؛ أي من نصيبه من اللحم مما حصل عليه هو وزملاؤه من الرجال بالصيد. ومن هنا نشأت سلطة الرجل على المرأة. هو يصيد ويأتي باللحم، وهي تستجيب إليه لما تجد من مكافأة لها بطعام اللحم الذي يعلو على الثمار والجذور التي كانت تحصل عليها بالمضض والعرق.
لم يكن الصيد ممكنا للفرد وحده، فنشأ التعاون بين الرجال؛ أي المجتمع البشري.
ولم تكن المرأة قادرة على الصيد لأنها حامل، أو لأنها تحمي صغارها، وإذن احتاجت المرأة إلى أن يعولها الرجل بما يصيد.
ونشأ البيت، ونشأت العائلة الأبوية. وأصبحت للزوج سلطة على زوجته؛ إذ هو الذي يقيتها.
ما هو الصيد؟
هو أن تقتل حيوانا فينزف دمه ويموت، ثم نمزقه ونأكله.
إن كلمة «قتل» هي نفسها كلمة «أكل» عند المصريين القدماء. وظني أن الكلمتين في اللغة العربية تعودان إلى أصل واحد. وتقاربهما في النطق والقلب واضح.
Unknown page
ذلك أننا متى قتلنا أكلنا. ولا أكل بلا قتل في عصر الصيد.
هذا هو عصر الصيد الذي يعود إلى ما قبل 114 ألف سنة في مصر، ولم ينته إلا بعد ظهور الزراعة. ولكن عصر الصيد هذا لا يزال حيا إلى وقتنا في أمم أو قبائل متوحشة. وكان هذا العصر خطوة ارتقائية كبيرة إذ هو أوجد مجتمعا بين الرجال وأوجد آلات للصيد، وأوجد كلمات جديدة فتقت الذهن وولدت ثقافة بدائية، وأوجد العائلة والبيت.
ولكنه كان نكبة على المرأة.
ذلك أنه جعل الصيد الوسيلة للقمة العيش. ولما كانت المرأة عاجزة بحملها أو رضيعها أو أطفالها عن الصيد فإن كاسب هذه اللقمة قد أصبح سيدا عليها. ولكن هذه السيادة لم تكن شيئا خطيرا، وإنما الخطير في عصر الصيد هذا هو كلمة دم.
لم يكن هناك صيد بلا دم؛ أي بلا قتل.
وحتى إذا فرضنا أن الصيد قد وقع في أحبولة أو حفرة، فإنه لن يؤكل إلا بعد أن يقتل وينزف دمه.
الدم عند الإنسان في عصر الصيد كان يعني القتل؛ أي الموت.
وإذن أصبح الإنسان في عصر الصيد يعتقد أن أشأم كلمة يسمعها، وأشأم منظر يراه، هما كلمة الدم ومنظره؛ ومن هنا نشأت الدمامة من الدم. والدميم هو قبيح الوجه.
ولكن هذا المعنى قد هذب عن أصله؛ لأن الأصل كان يرجع إلى السحر الذي كان عمدة الثقافة والمنطق عند الإنسان في عصوره القديمة. فكان الدم شؤما ونذيرا بالهلاك، إذا رآه أحد فإنه يجب أن ينتظر سفك دمه وموته أو جرحا على الأقل.
ومن هنا كلمات: الطيرة والشؤم واليمن والفأل. ومن هنا الطلاسم والتعاويذ والتمائم.
Unknown page
كانت عقائد السحر تستحوذ على الإنسان القديم وتملأ عالمه بالخوف.
وكان أعظم ما يخافه رؤية الدم في غير موضعه الذي يجب أن يراه. وهذا الموضع الوحيد هو قتل الحيوان المصيد. ويجب مع ذلك ألا ننسى أن الإنسان الذي كان يشترك في جماعة الصائدين كان هو نفسه عرضة للقتل بهجوم الحيوان عليه قبل أن تنجح الجماعة في قتله.
كانت كلمة الدم أسوأ كلمة يسمعها الإنسان القديم.
ولما كانت المرأة تزورها العادة الشهرية فتنزف دما يبقى بضعة أيام، ولما كانت أيضا تنزف دما أكثر وقت الولادة، فإنها أصبحت إنسانا نجسا يجب على جماعة الصائدين من الرجال أن يتجنبوها قبل الصيد ببضعة أيام. بل يجب ألا يروها بتاتا قبل الصيد ببضعة أيام، حتى يخرجوا وهم غير متلبسين بشؤم الدم. وإن يكن دم المرأة وليس دم الصيد.
ومن هنا كلمات دميم ودمامة، أو قبيح أو مشئوم، وقبح أو شؤم.
ومن هنا أيضا ظهرت التعاويذ والرقى التي يقولها البدائيون حتى يتطهروا من نجاسة المرأة وحتى يخرجوا للصيد بلا شؤم.
وكانت المرأة لهذا السبب تخفي نفسها عن الرجال حتى لا يتشاءموا، وحتى إذا لم يكن عليها دم؛ إذ ما يدري الرجال بأنها ملوثة بالدم الذي لا يرونه.
هذا هو الحجاب في أول ظهوره.
نشأ من دم الحيض والولادة عند المرأة.
ولما كانت الولادة تزيد نزف الدم أكثر من العادة الشهرية فإن المرأة مدة الولادة تزيد نجاسة فيها؛ ولذلك تزيد مدة تجنب الرجال لها.
Unknown page
كان الرجال يتجنبون النساء قبل الصيد حتى لا تنتقل عدوى الدم إليهم فينزفوا مثلها. وهم لن ينزفوا إلا بعد أن يقتلوا. وكان خطر المرأة أكبر عليهم مدة الولادة؛ لأن نزفها عندئذ أكبر.
هذا هو منطق السحر البدائي؛ السحر بالعدوى.
وشبيه بهذا أيضا نجاسة الأرملة وحجابها؛ لأنها، كما مات زوجها، يمكن أن تنقل هذا الشؤم إلى أي امرأة أخرى، بل إلى أي رجل يراها. ولذلك روى الزمخشري في «غريب الحديث» أن الأرملة نجسة، ما مست شيئا إلا أفسدته، وهو يعزو هذا القول إلى سيدة عربية.
ولذلك نشأت عادة اختفاء الأرملة.
أصبحت المرأة، في عصر الصيد، عنوان الدم؛ أي شؤما على الرجال.
ومن هنا نشأ الحجاب؛ أي الانفصال بين الجنسين. ونشأت فكرة النجاسة من الاتصال الجنسي. ونشأت فكرة التطهر بعد هذا الاتصال، وبعد الولادة، وبعد الحيض عند المرأة. وعم الحجاب جميع الجماعات التي كانت تعيش بالصيد.
وجاء وقت، عند الأمم القديمة، كان السحر فيه وقفا على المرأة؛ لأن الخوف منها كان أكبر بما تحمل من شؤم الدم المنزوف.
فلما ظهرت الزراعة واستغنى بها البشر عن الصيد أدت ممارسة الزراعة إلى اشتراك الرجل والمرأة في أعمال الحقل وجمع المحصول. فعادت المرأة زميلة الرجل، ولم تعد خصيمته تنقل إليه أذى الدم وشؤمه. ولكن لم يلغ الحجاب مباشرة بعد الزراعة؛ لأن للعادات الاجتماعية قوة البقاء مدة ما حتى بعد زوال أسبابها.
وكأن الزراعة قد عادت بالبشر إلى العصر الذي سبق الصيد، حين كانت المرأة وحدها أساس العائلة. ولذلك لا نكاد نجد في مصر، التي اخترعت الزراعة حوالي 12 ألفا قبل الميلاد، لا نجد أثرا لنجاسة المرأة أو للحجاب؛ لأن هذه المدة الطويلة قد أنست الرجال شؤم الدم. وإن كنا مع ذلك ما زلنا نجد كلمة واحدة في لغتهم تعبر عن المعنيين: القتل والأكل. وهذه الكلمة تعود بنا إلى عصر الصيد، ولا بد أن المرأة كانت وقتئذ نجسة.
وقد قوي الحجاب عند العرب وسائر الأمم البدوية؛ لأنها بقيت تعيش في عصر الصيد ولا تكاد تعرف الزراعة. ثم عرفت بعد ذلك الغزو. وشؤم الدم هنا يزيد على شؤمه أيام الصيد؛ لأن الغزو يجعل الغزاة عرضة للقتل أكثر من الصيد.
Unknown page
هذا هو الأصل للحجاب.
ولكننا بعد أن حجبنا المرأة احتجنا إلى أن نبرر هذا الحجاب تبريرا عصريا لا يعود إلى عادات السحر القديمة، فصرنا نقول إنها غير ذكية، أو إنها لا تحسن أعمال الرجال، أو إنها تسفه في تصرفاتها، أو تعجز عن الإيفاء بالعهد، أو نحو ذلك.
والذين يقولون هذه الأقوال يجعلون منها أساسا لتبرير الحجاب. وآخر ما قرأت في ذلك كلمة كتبها كاتب شرقي مصري من كتابنا قبل بضع سنوات، هو المرحوم مصطفى صادق الرافعي. فقد وصف أحد مؤلفاته بقوله إنه يقوم موضوعه على «سبب واحد حول فلسفة البغض وطيش الحب ولؤم المرأة».
وهو يقول في هذا الكتاب أيضا: «قيل لحية سامة: أكان يسرك لو خلقت امرأة؟ قالت: فأنا امرأة غير أن سمي في الناب وسمها في لسانها.»
لقد مات هذا المؤلف قبل نحو عشر سنوات. وأعتقد أن الشبان الذين يقرءون هذه الكلمات يشمئزون لسبب واحد، وهو أنهم قد ارتقوا وتطوروا وعرفوا أن المرأة إنسان. ولا يمكن الإنسان في عموميته، أن يكون لئيما؛ لأن وصم المرأة باللؤم هو وصم للإنسانية كلها باللؤم. بل هو وصم للأمومة، وهي أحسن ما في الإنسانية، باللؤم.
إن الشباب المهذب هو الإنسان الإنساني الذي يحترم المرأة؛ ولذلك يستطيع أن يحبها الحب الشريف المقدس، إذ كيف يمكن أن يحب الشاب فتاة وهو يؤمن «بلؤم المرأة»؟
لقد وجدت كاتبا أوربيا يصف حبيبته بقوله: «يا أخت قلبي». ووقفت عند هذا التعبير الجميل معجبا، أتأمل هذا المعنى الحنون وهاتين الكلمتين الرقيقتين.
إنه لفرق عظيم بين كاتب يفكر في المرأة فيذكر الحية والسم، أو يذكر اللؤم. وبين كاتب آخر يذكرها فيقول: يا أخت قلبي. من منهما الإنسان؟ من منهما الرجل البار؟
أيها الشاب المصري كن متمدنا، وكن عصريا، وكن إنسانيا. تذكر أخت قلبك ولا تصدق من يقولون لك إن المرأة حية لها سم، وأنها لئيمة.
الرق والمرأة
Unknown page
إذا تركنا عصر الصيد، ثم عصر الغزو، وجدنا عصرا آخر عمل لاحتقار المرأة والهبوط بها إلى ما دون الرجل في الإنسانية، هو عصر الرق الذي لم ينته إلا منذ مائة سنة فقط في أمريكا التي ألغته بعد الحرب الأهلية سنة 1860 ثم عمم إلغاؤه في جميع الأمم المتمدنة، والمتمدنة فقط؛ لأن الرق لا يزال قائما في الأقطار المتخلفة إلى عصرنا هذا.
والرق نشأ من الغزو.
ذلك أن القبيلة التي كانت تغزو قبيلة أخرى، وتتغلب عليها، كانت تقتل رجالها أو تستعبدهم، ثم تسبي النساء؛ أي تخطفهن وتبيعهن.
والمرأة التي يقتنيها الرجل بعد أن يؤدي ثمنها يستطيع أن يفعل بها ما يشاء. وهو بعيد كل البعد لهذا السبب عن قبول فكرة المساواة بين الجنسين؛ إذ كيف يتساوى مع امرأة قد اشتراها بخمسين جنيها مثلا ويستطيع أن يبيعها في الغد بهذا الثمن أو بأكثر أو بأقل؟ إنها امرأة مقتناة بالثمن، وهو يعبث بها كما يشاء، ويعاقبها كما يشاء إذا أبت عليه حيوانيته في الاتصال الجنسي لشهواته أو الخضوع المطلق لإرادته.
وقد عم الرق العالم القديم كله؛ ولذلك لا نجد كتابا من كتب الدين إطلاقا يقول بمنع الرق. وعصر الرق هو، مع اشمئزازنا من المبدأ الذي نشأ عليه، يمكن أن يعد طورا من أطوار الارتقاء البشري. ذلك أنه أتاح لطبقة صغيرة من الشعب أن تحترف التفكير، وتجد من الفراغ ما يمكنها من درس السياسة والفن والأدب والحكم وسائر ألوان التمدن.
ولولا الرق عند الإغريق والرومان والمصريين لما وجد أرسطوطاليس، أو شيشرون، أو أمهوتب.
والذي حمل الأمريكيين على إلغاء الرق هو، إلى جنب أشياء أخرى لا محل لذكرها، الارتقاء في اختراع الآلات التي أخذت مكان العبيد في الإنتاج.
وتفشي الإماء - أي الجواري - في الأمة العربية حط من شأن المرأة كثيرا. ذلك أن الزوج أصبح يقتني الجارية التي تمتاز على زوجته الحرة بالجمال والشباب؛ ولذلك كانت هذه الزوجة تخضع الخضوع المطلق له، إذ هي كانت توقن أن المحل الأول في قلبه ليس لها. وما دام الشأن كذلك فإن المحل الأول في البيت ليس لها أيضا. وكثيرا ما كانت تحمل الجارية وتلد فتعود زوجة لها حقوق الزوجات.
واحتقار الرجل لجاريته كان ينتقل بالمحاكاة السيكلوجية إلى زوجته الحرة. ثم يعم الشعب كله احتقار للمرأة.
احتقار المرأة أيام الرق لم يكن يختلف عن احتقار الزنوج أيام الرق أيضا.
Unknown page
وإذن نحن نفهم الآن أن هناك ثلاثة عوامل عملت لاحتقار المرأة، هي: (1)
شؤم الدم أيام الصيد. (2)
شؤم الدم أيام الغزو. (3)
سبي المرأة واسترقاقها.
وهذا العامل الثالث - سبي المرأة - قد أوجد الرق الذي كان شر ما أصاب المرأة. ذلك أن حجاب المرأة أيام الصيد لم يكن ليؤدي إلى أكثر من معنى هذه الكلمة؛ أي الاحتجاب. ولكن الرق أدى إلى أن تستحيل المرأة من الإنسانية إلى الأنوثة، تتبرج لزوجها كما لو كانت أنثى فقط؛ لأن الأمة أو الجارية المسبية ثم بعد ذلك المشتراة، كانت تذل لسيدها وتتهتك له وتلبي جميع شهواته البهيمية وفوق ما يريد. واضطرت الزوجة الحرة إلى أن تباريها في كل ذلك، فتبرجت هي أيضا وتهتكت حتى لا تتفوق عليها الجارية. ومن هنا كان السقوط.
هذا السقوط الذي أحال المرأة إلى لعبة للرجل.
ولم يتفش استرقاق المرأة في أوربا مثلما تفشى في أقطار الشرق؛ لأن الاقتصار على امرأة واحدة في الزواج جعل شراء الجارية محظورا أو كالمحظور. أو هو كان صغير الخطر على الزوجة الحرة؛ لأن الزوج كان يضطر إلى الطلاق منها قبل أن يتزوج الجارية. ولم تكن الحال كذلك في الأقطار الشرقية.
بؤس المرأة في مصر
حدث من مدة قريبة أن شابا بالإسكندرية انتحل شخصية ضابط بالقوات المسلحة وتقدم إلى إحدى العائلات يطلب الزواج من ابنتها. وأوشك على النجاح، وكادت هذه العائلة أن تسلم بزواجه من ابنتها، لولا أن افتضح غشه واتضح أنه لم يكن ضابطا. وشرعت النيابة في التحقيق لا بشأن غشه في الزواج ولكن بشأن انتحاله شخصية ضابط.
وهذا البؤس الذي تعانيه العائلات لا يقتصر على مثل هذا الشاب الأرعن الذي أوقع نفسه بانتحاله شخصية ضابط . فإن الغش يتخذ ألوانا أخرى لا تستطيع النيابة العامة أن تصل إليها. ثم يكون الزواج، ويفتضح الغش بعد الزواج. وعندئذ قد يكون الرضا بالواقع والسكوت على المضض والتستر على الغش.
Unknown page