تاريخ هذه القضية في الغرب مثقل بما حمل من جهالة الوثنية، وخرافة القرون الوسطى، ومعارك الدين والدولة في القرون المتأخرة، وليس بأهونها ولا أسلمها معركة النضال على حرية الفكر وحرية الانتخاب.
وظفرت المرأة الغربية بعض الرعاية منذ القرن التاسع عشر، فكانت من قبيل تلك الرعاية التي سميناها بضرورة الإجراءات أو بحلول الإرادة الحكومية: شأن المرأة في ذلك شأن المطالبين بالحرية الديمقراطية أجمعين. إنما ظفروا بها بعد عصر الصناعة على الخصوص، لأنهم توسلوا إليها باستغلال حاجة المجتمع إليهم في المصانع ومرافق المدن الاقتصادية، ولم يظفروا بها حقا «إنسانيا» ملازما للإنسان حيث كان، لأنه المخلوق العاقل المسئول بين يدي الله.
والمرأة الغربية لم تظفر بتلك الرعاية لأنها حق تملكه المرأة في كل بيئة، بل كان ظفرها بها ثمرة لنزاع طويل على الحقوق المهضومة، شاركت فيه المتنازعين طرفا آخر كما يقول المتنازعون في قضايا القانون.
حق الرعية مع الراعي، حق الزارع مع صاحب الأرض، حق العامل مع صاحب المال، حق المفكر مع رجل الدين، حق الأحرار المجددين مع المحافظين الجامدين، بل حق الأبناء مع الآباء، وحق الجيل الناشئ مع الجيل القادم.
هذه المرأة ليست بالمرأة المسلمة ولا بالمرأة الشرقية، في ماضيها وفي حاضرها، ولا في مستقبلها.
تلك امرأة أخرى تجري بها المقادير إلى نهايتها.
أما نحن في الشرق فالمرأة لها قضيتها التامة غير تلك القضية: قضية ثابتة لأنها لا تنسى المرأة في ذاتها بعواطفها وأخلاقها، ولا تنسى المرأة وهي جنس يقابل الجنس الآخر بتكوينه واستعداده، ولا تنسى المرأة بوظيفتها في الأسرة، ولا بوظيفتها في الحياة العامة كلما دعتها المصلحة إليها.
وهذه المرأة بحقوقها وواجباتها منذ أدركتها شريعة الإسلام لا تتقاضى حقا ولا تتلقى واجبا من مخالب الفتنة الجامحة ولا من براثن المصنع الشحيح، وإنما هي صاحبة هذه الحقوق وهذه الواجبات لأنها من خلق الله، على قسطاس المساواة العادلة بين الحقوق والواجبات.
ولقد يسوغ في شرعة العقل وشرعة القانون أن يتنازع أصحاب الحقوق جميعا إلا الحق الذي يتنازعه النساء والرجال فإنهما جنسان لا ينفصلان ولا يخلق أحدهما إلا وهو شطر وله بقية، ولا سبيل إلى انفراد بينهما في تركيب الطبيعة ولا في وظيفة النوع. فإذا انفردا في تكاليف المجتمع فتلك علامة الخلل والانحراف، لا حاجة بعدها إلى علامة من أقاويل الدعاة أو الأدعياء. •••
ملاك العدل والمصلحة بين الجنسين أن تجري الحياة بينهما في الأمة على سنة التعاون والتقسيم لا على سنة الشقاق والتناضل بالمطالب والحقوق.
Unknown page