حبهم المتواصل لشيعتهم حتى كانوا يترحمون عليهم كل صباح ومساء ، ويفرحون عند فرحهم ، كما يحزنون عند حزنهم ، لأنهم من فاضل طينتهم ، وهم أوراق تلك الدوحة الطيبة ، التي أصلها ثابت وفرعها في السماء.
وقد ورد في دعاء الحجة عجل الله فرجه :
«اللهم ، إن شيعتنا خلقوا من شعاع أنوارنا ، وبقية طينتنا ، وقد فعلوا ذنوبا كثيرة ؛ إتكالا على حبنا وولايتنا. فإن كانت ذنوبهم فيما بينك وبينهم ، فاصفح عنهم ، فقد رضينا. وما كان منها فيما بينهم ، فاصلح بينهم ، وقاص بها عن خمسنا ، وأدخلهم الجنة ، وزحزحهم عن النار ، ولا تجمع بينهم وبين أعدائنا في سخطك» (1).
وإني لا أراك والحالة هذه تجد في شريعة الحقوق ، أو يلتاح لك في منهج الوفاء ، أو يجوز لك دافع المروءة أن تتقاعس عن مواساة آل الرسالة بإيثارهم على نفسك وأهلك في كل غال ورخيص ، إلا أن تسف إلى هوة الضعة ، وتدعها رمية لنبال اللوم من ناحية العقل مرة ، ومن صوب الشريعة اخرى ، ومن جهة الشهامة ثالثة.
ولا ريب في رغبة الإمام الصادق (ع) بالإيثار ؛ لإحياء أمرهم أجمع. نعرف ذلك من الالتفات الذي استعمله الإمام في الدعاء ، فإنه بعد أن دعا لزوار الحسين (ع) بعطاء أفضل ما يأملونه ، قال (ع): «وما آثرونا به». فلو أراد الإيثار في خصوص زيارة سيد الشهداء ، لقال : وما آثروه ، فحيث عدل عن المفرد إلى الجمع ، علم أن مراده بيان محبوبية الإيثار فيما يعود إليهم أجمع.
وإن كان الإيثار لزيارة قبر المظلوم (ع) أشمل ؛ لما فيه من التذكير بهاتيك النهضة المقدسة. فكأن الماثل أمام الضريح الأطهر يشاهد نفسه واقعا بين الصفين ؛
Page 109