233

ونادى رافعا صوته : عليك مني السلام أبا عبد الله (1)، هذا جدي قد سقاني بكأسه شربة لا أظمأ بعدها ، وهو يقول : إن لك كأسا مذخورة (2). فأتاه الحسين (عليه السلام) وانكب عليه واضعا خده على خده (3) وهو يقول : «على الدنيا بعدك العفا ، ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول (4)، يعز على جدك وأبيك أن تدعوهم فلا يجيبونك ، وتستغيث بهم فلا يغيثونك» (5).

ثم أخذ بكفه من دمه الطاهر ورمى به نحو السماء فلم يسقط منه قطرة وفي هذا جاءت زيارته : «بأبي أنت وامي من مذبوح ومقتول من غير جرم ، بأبي أنت وامي دمك المرتقى به إلى حبيب الله ، بأبي أنت وامي من مقدم بين يدي أبيك يحتسبك ويبكي عليك محترقا عليك قلبه ، يرفع دمك إلى عنان السماء لا يرجع منه قطرة ، ولا تسكن عليك من أبيك زفرة» (6).

وأمر فتيانه أن يحملوه إلى الخيمة ، فجاؤوا به إلى الفسطاط الذي يقاتلون أمامه. (7)

وحرائر بيت الوحي ينظرن إليه محمولا قد جللته الدماء بمطارف العز حمراء وقد وزع جثمانه الضرب والطعن ، فاستقبلنه بصدور دامية وشعور منشورة وعولة تصك سمع الملكوت وأمامهن عقيلة بني هاشم زينب الكبرى ابنة فاطمة بنت رسول الله (ص) (8) صارخة نادبة فألقت بنفسها عليه تضم إليها جمام

Page 260