المقامة المسكية
لمولانا جلال الدين الأسيوطي رحمه الله تعالى ورضي عنه ونفع به جميع المسلمين آمين.
مشتملة على ذكر أربعة أنواع من الطيب ومنافعها: المسك والعنبر والزعفران والزباد.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال مولانا شيخ الحديث جلال الدين الأسيوطي رحمه الله تعالى ونفع به المسلمين: حضر أمراء الطيب بين يدي إمام في البلاغة خطيب. فقالوا: أيد الله مولانا وتولاه، وأمده بالمكارم وولاه، وأولاه من نعمه وما أجدره بذلك وأولاه، وحرسه من المكاره ووقاه، وأصعده إلى ذروة المجد ورقاه، إنا معشر إخوان، وعلى الخير أعوان، نرصد للخير، نقصد لدفع الأذى والضير، لا يرى منا مكروه، وإذا قصدنا عارف لم يرعه منا ما يسوء، ولم يسؤه منا ما يعروه، كل خير عنا شاع وذاع، وكم ربح ربحنا إذا ربحنا ضاع وقد كاد يحصل بيننا نزاع أينا أجل في المرتبة الطيبة وأجل في مواطن الانتفاع، فنادانا المنادي في النادي يا أيها الملأ إني نصيحتكم، أطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، فتواصينا
1 / 2
على حسن السير ...
أضوع من المندل الرطيب، ورفعها على الأسرة والأرائك، وحببها إلى الأنبياء والمرسلين والملائك، وقرنها بالسنن المطلوبة في الجمعة
1 / 3
والعيدين وحسن أولئك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي جعل الخير بحذافيره في الجنة، وأنزل من آثارها أنموذجا يستدل به على ما فيها من عظيم المنة، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي جاء بأطهر شريعة، وأطهر سنة إلى الحق سريعة، وأقوى ملة إلى الله ذريعة، الطيب خلقا وخلقا، الذي كان يقطف منه ما هو أطيب من المسك إذا إرفض عرقا ﷺ وصحبه ما نصبت أعواد منبر، وجلبت من بر ما نبت نوافح المسك ومن شاطيء البحر نوافح العنبر.
أما بعد أيها الناس فإني آتي أنواع الطيب شرفًا عميمًا، وجعل لها في الدنيا والآخرة والبرزخ فضلًا عظيمًا، وحببها إلى رسله وأنبيائه، وإلى ملائكته وخواص أصفيائه، ويكفي فيما شرف به الطيب وأولاه.
ما رواه الحاكم في المستدرك وصححه إذ رواه عن أنس بن مالك خادم المصطفى ومولاه قال قالَ رسول الله ﷺ وشرف وعظم وزاد علاه (حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة) .
وفي حديث آخر رويناه في الصحاح (أربع من سنن المرسلين السواك والتعطر والحناء والنكاح) .
وفي حديث (من عرض عليه طيب فلا يرده فإنه خفيف المحمل طيب الريح) .
وعن أنس رضي الله تعالى عنه (أن رسول الله ﷺ كان لا يرد الطيب) . رواه البخاري في الصحيح.
وروى البزار في مسنده حديثا في رتبه الإنافة (إن الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة) .
وقد ورد الأمر بالطيب في غير ما موطن من شرائع الإسلام كالجمعة والعيدين والكسوفين والإستسقاء وعند الإحرام، وشرع مطلقا لكل حي، ولميت كل قبيلة وحي.
وقال أبو ياسر البغدادي الطيب من أعظم لذات البشر، وأقوى لدواعي الوطئ وقضاء الوطر.
وورد في الحديث الصحيح (أن طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه يعني كالمسك والعنبر، وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي
1 / 4
ريحه يعني كالزعفران) .
ولهذا حرم على الرجال المزعفر.
ثم أيها الأمراء الثلاثة المسك والعنبر والزعفران ثلاثتكم في الرياسة والسيادة أقران، ولهذا قام فيكم دليل الاقتران في السنة التي هي تالية للقرآن.
روى ابن أبي الدنيا من حديث أنس عن أعظم نبي صعد المنبر (خلق الله الجنة ملاطها المسك وحشيشها الزعفران وحصباؤها اللؤلؤ وترابها العنبر) .
ولكن للمسك بينكم الخصوصية، وله عليكم الفضل والمزية، حيث جاءه ذكره في التنزيل، وذلك غاية التشريف والتبجيل.
قال تعالى فيما تلاه الدارسون (يسقون من رحيق مختوم، ختامه مسك وفي ذلك فلينافس المتنافسون) . [٢٥، ٢٦ المطففين] .
وقال فيه الصادق المصدوق وهو منبئ عن فضله ومعلم (أطيب الطيب وهو المسك) . رواه أبو سعيد الخدري.
ومن كلام العرب المأثور من قديم، ليس الطيب إلا المسك بالرفع على لغة تميم.
وقد طيب به رسول الله في حنوطه عند وفاته، وفضلت منه فضلة فأوصى علي ﵁ أن يحنط به تبركا بفضله فضالته.
وأوصى سليمان الفارسي ﵁ عند احتضاره أن يرش به البيت في أثر صحيح، وقال إنه تحضرني ملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولكن يجدون الريح وكم روينا حديثا صحيحا جاء فيه ذكر المسك صريحًا.
ومن ذلك أنه شبه به دم الشهيد، وخلو ف فم الصائم، وجعل عليه المزيد وأن أنهار الجنة تفجر من تحت جباله.
وأن في الجنة مراغًا من المسك يتمرغ فيه كما يتمرغ فيه بهيم الدنيا في رماله وشبه لحاملها الجليس الصالح إما أن يحذيك أو تجد منه ريحا طيبة فأنت في الحالين رابح رائح رائح.
وقد أمر به رسول الله ﷺ الحائض إذا طهرت واغتسلت وقدمه على سائر أنواع الطيب لحكمة علمت ما جهلت، وذلك أنه في الدرجة الثانية من الحرارة التي اشتعلت وما اعتدلت، فهو يسرع إلى العلوق فإذا ألم بها الزوج جبلت.
ومن منافعه الطبية، ومحاسنه الطيبة
1 / 5
أنه يطيب العرق ويسخن الأعضاء وينفع من الرياح الغليظة المتولدة في الأمعاء، ويقوي القلب ويسجع أصحاب المرة السوداء، وفيه من التو حسن تفريح، ومن السدد تفتيح ويصلح الأفكار، ويذهب بحديث النفس وما فيه من الاستنكار، ويقوي الأعضاء الظاهرة وضعا، والباطنة شربا، وناهيك بذلك نفعا ويعين على الباه وينفع من بارد الصداع، وإذا طلي به مع دهن الخيري رأس الإحليل أعان على سرعة الإنزال وكثرة الجماع، ويقوي الدماغ وينفع من جميع علله الباردة، ويبطل عمل السموم ونهش الأفاعي فيا لها من فائدة وهو جيد للغثي وسقوط القوة والخفقان، وللرياح التي تعرض للعين وفي سائر جسم الإنسان ويجلو البياض الرقيق من العين ويقويها وينشف رطوبتها من غير شين، ويعقل البطن ويزيل من الوجه الإصفرار وينفع من أوجاع البواسير الظاهرة طلاء عليها بالتكرار، وإذا استعمل للحرارة الغريزية قواها، وفي أدوية الحواس الأربع كلها ذكاها، وإذا خلط بالأدوية المسهلة كان أبلغ في إبقائها، وينفع من إضعاف الأدوية المسهلات وإذا حل في دهن البان وطلي به الرأس نفع من النزلات، وإذا أسعط به المفلوج وصاحب السكتة الباردة نبهه، وإذا حل في الأدهان المسخنة وطلي به فقار الظهر نفع من الجدري والفالج وما أشبهه، وأكثر نفعه للمشايخ والمرطوبين وخصوصًا في الأزمنة والبلدان القارة، ويصدع الشباب والمحرورين، ولاسيما في البلدان والأزمنة الحارة، ولعظم شأنه وعلو مكانه جبته الشعراء بالتنزيه ولم يشبهوه بشيء بل جعلوه أصلا للتشبيه، فشبهوا به لون المحبوب والخال، وكلما استطيب ريحه شبه به في الحال.
قال في اللون بعض من قال:
أشبهك المسك وأشبهته ... في لونه قائمة قاعدة
لا شك إذ لونكما واحده ... أنكما من طينة واحدة
وقال في الخال صاحب شغل الحال
1 / 6
بدا في خده المحمر خال ... تحير فيه ألباب الرجال
فقلت أليس ذا قلبي أبيس ... وذاك المسك من بعض دم الغزال
وأبدع أبو الطيب في تشبيهه حيث قال في تعظيم ممدوحه وتنويهه
رأيتك في الذي نرى ملوكا ... كأنك مستقيم في محال
فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإن المسك بعض دم الغزال
وقال السروجي
في الجانب الأيمن من خدها ... نقطة مسك أشتهي لثمها
حسبتها لما نرى خالها ... وجدته من حسنه عمها
وقال ابن عبد الظاهر
عنبري يروقني الفجر منه ... ولكم فاق عاشق تفريكه
كلما قلت خاله المسك ... قال المسك حاشاه إنني مملوكه
وقال آخر
لا عجب أن مال من نشوة ... فريقه صهباء سلسال
وكيف لا تنسب أنفاسه ... للطيب والمسك له خال
ثم رأيت بعض الشعراء شبهه بالشباب، وذلك يدل على تميزه عند أولي الألباب. قال وجيه الدين أبو الحسن بن عبد الكريم المناوي رحمه الله تعالى
المسك أنفس طيب ... مثل الشباب وزينه
حكاه ظرفا وحسنا ... وفي شذاه ولونه
إن كان للطيب عين=فالمسك إنسان غيره وقال آخر
للمسك فضل على الطيب ... إذا أراد احتكاما
يكفيه أن راح في الخلد ... فاللرحيق ختاما
العنبر
وأما أنت يا عنبر فتأتي المسك في الفضيلة، وتالي رتبته في المزاج، فإن الحرارة في العنبر عدبله، ولكونه أشرف من سائر ما بقي.
قال ابن البيطار العنبر سيد الطيب وإن كان لا يسلم له ذلك في المسك لأنه
1 / 7
مقدم بقبول الصديق الحبيب، وقد صحت أحاديث في السنة أن العنبر تراب الجنة.
روى البخاري في تاريخه عن عائشة ﵂ سألت (أكان النبي ﷺ يتعطر قالت: نعم بذكاوة العطر المسك والعنبر) .
وسأل ابن عباس ﵁ عن ذكاة العنبر فقال إنما هو شيء دثره البحر وإن فقيه الخمس، وفيه منافع أودعها الله لعباده، وقد استخرجها كل طبيب دنس، منها أنه مفيد القلب والحواس ويزيد الدماغ قوة، وينفع شمه من أمراض البلغم الغليظ والفالج واللقوة، وطلاءه من الأوجاع الباردة المعدة، ومن الرياح الغليظة العارضة في الأمعاء والمفاصل، من السدد وينفع من الشقيقة والنزلات الباردة والصداع الكائن عند الإخلاط بخورا ومن جميع أوجاع العصب والجدري، وإذا في دهن البان ودهن به ففاد الظهر كثيرا ويقوي فم المعدة إذا غمست فيه قطنة ووضع عليها يسيرا وينفع أكله من استطلاق البطن المتولد عن البرد وعن ضعف المعدة تقديرا، وهو مقوي لجوهر كل روح في الأعضاء الرئيسة ومكثر له تكثيرا، وقد نزهه الشعراء وشبهوا به من قصدوا لقدرة التنويه.
فقال بعض أهل التمويه:
وسمراء باهى كلفة البدر وجهها ... إذا لاج في ليل من الشعر الجعد
محبته من محبة القلب لونها ... وطينتها للمسك والعنبر الورد
وقال البدر بن الصاحب
لعنبر خاله عبق ... على ورد من الخد
فيا لله طيب شذى ... بذلك العنبر الوردي
وقال أبو الحسن الجوهري يصف النيل
متنا كبنيان الخور ... نق ما يلاقي الدهر كدا
ردفًا كدكة عنبر ... متمايل الأوراك نهدا
1 / 8
الزعفران
وأما أنت أيها الزعفران فقد صحت الأقاويل بأنك حشيش الجنة وترابها، وناهيك بها منقبة جليلا نصابها.
وروي في خبر مأثور أن الله ﷿ خلق من الحور.
فأنت ثالث المراتب، ثابت المناقب، حبيب لكل صاحب، لذيل الفضل ساحب، غبر أنه ليس للرجال في الطيب منك مجال، لا بينك وبينهم في المودة أسجال، ولا في الموردة سجال، حرمت عليهم تحريما شديدا، وهددوا على التخلق بك تهديدا، وأوعدوا على ذلك في القيامة وعيدا وأكد عليهم التغليظ في ذلك تأكيدا ولك مع إخوانك الاشتراك في اليبس والحرارة وفي الزعفران منافع عليها دليل وأسارة، من أنه يحسن اللون ويكسبه نضارة، ويصلح العفونة ويقوي الأحشاء، ويهيج الباه ويقي الأعضاء، ويجلوا البصر ويمنع النوازل إليه وتحلل الأورام وينفع الطحال ولأوجاع المقعدة والأرحام، ويسكن الحرارة ويدر البول ويهضم الطعام، وينفع مما في الرحم من الصلابة والانضمام والقروح وله خاصة عجيبة شديدة عظيمة في تقوية القلب وجوهر الروح وفيه بسط وتفريح، إذا زاد لا يحتمل بحيث أنه إذا شرب منه ثلاثة مثاقيل قتل، ويشمم لصاحب البر سام، لصاحب الشوصة لينام ويسهل النفس ويقوي آلته جدا، ويفتح من العروق والكبد ما يسد سدا، ويسقي يسيره للطلق المتطاول فتلد وهي منفعة حبيبه وإذا عجن من قدر وعلقت على الزوجة والفرس بعد الولادة أخرجت المشيمة، وإذا طبخ وصب ماؤه على الرأس نفع من السهو الكائن عن البلغم المالح وأجاد تنويمه، ومن خواصه أنه لا يغير خلطا البته بل يحفظ الأخلاط بالسوية، وإن سام أبرص لا يدخل بيتا هو فيه. وناهيك بها خصوصية ويكتحل به للزرقة المكتسبة من الأمراض وليحذر الإكثار منه والإدمان عليه فإنه رديء
1 / 9
الأعراض.
ومن جيد التشبيه قول ابن الخوارزمي فيه:
أما ترى الزعفران الغصن تحسبه ... جمرا بدي في رماد الفحم مضطرما
كأنه بين أوراق تحف به ... طرايف الخال في خدين قد نظما
وما عيانا ومسكا نشر رائحة ... في طيبه وكذال المسك كان دما
الزباد
وأما أنت أيها الزباد وإن اشتهرت في كل ناد، بين كل حاضر وباد، فلست تعد مع هؤلاء الأقران، لأنه لم يرد ذكرك في آية من القرآن، ولا في حديث عن سيد ولد عدنان، ولا في الصحاح ولا في الضعاف ولا في الحسان، ولا في أثر عن أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان، فلا تتعد طورك، ولا تبعد غورك، ومتى أدعيت أنك رابعهم قيل لك إخساء، ومتى جاريتهم في ميدان السبق فكبا لك وتعسا، وأخرى أنبئك بها من الفقهاء من قرر نجاستك وذلك مما يسقط في سوق الطيب نفاستك، وقصارى أمرك أنك عرق هد بري، أو لبن سنور بحري، فلا نسب لك ولا حسب، ولا سلف ولا خلف، وأنك أقل شرفا، وأذل سلفا، ومتى إنتتف معك من شعر أصلك ما يجاوز حد العفو فعليك العفا، غير أنا نجبر كسرك ونغني فقرك قد رزقك الله تعالى أنواعا من المنفعة، وجعل فيها أسرارا مودعة إذا شمك المزكوم نفعته من الزكام، وإذا ضمخ بك الدماميل خففت عنها الآلام وإذا سقي منك درهم مع مثله زعفران في مرقة دجاجة سمينة، سهلت ولادة المرأة وحفظت الدرة السمينة، وحرارتك في الدرجة الثالثة، وفيك رطوبة معتدلة لمن أراد المثاقبة والمثافتة والمنافثة.
ثم رأيت في خبر مرسل عن أم حبيبة زوج خير مرسل، أن نسوة النجاشي أهدين لها من الزباد الكثير، وأنها قدمت به على النبي البشير النذير.
فإذن حصل للزباد من ذلك الشرف، وارتقى إلى طبقة عالية الغرف، وصار في أنواع الطيب رابعًا، وللأمراء الثلاثة رابعًا.
وأستغفر الله تعالى مما وقع من تنقيصه وأسعفيه من الجهل. بتمييزه وتخصيصه
1 / 10
جعلنا الله تعالى ممن أناب إلى الحق ورجع وأصغى إلى الصدق وخشع، وأعاذنا برحمته من كل شرك وجنبنا كل زور وكذب وأفك، وجمعنا مع عباده الأبرار والمقربين في سلك، وجعلنا من الذين يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك.
والحمد لله وصلى الله عليه وسلم من لا نبي بعده سيدنا محمد وآله وصحبه وأتباعه وحزبه وغفر الله لنا وللمسلمين أجمعين آمين. وكان الفراغ من كتابة هذه المقامات في صبح يوم الاثنين المبارك أربعة أيام خلت من شهر الحجة الحرام الذي هو من شهور سنة ١٢٦٧-سبع وستين ومائتين وألف من الهجرة النبوية، على صاحبها ألف سلام وألف تحية. وذلك على يد الراجي عفو ربه الوهاب، عمر بن الخطاب اللهم اغفر له ولجميع إخوانه المسلمين، ولمن قال اللهم آمين وصلى الله على محمد وآله وسلم.
المقامة الوردية
لمولانا مجتهد العصر أبي الفضل عبد الرحمن جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى ورضي عنه
مشتملة على ذكر عشرة رياحين ومنافعها: الورد والنرجس والياسمين والبان والبنفسج والنسرين والنيلوفر والآس والريحان والفاغية:
بسم الله الرحمن الرحيم
قال مولانا شيخ الحديث جلال الدين الأسيوطي رحمه الله تعالى:
حدثنا الريان عن أبي الريحان عن أبي الورد إبان عن بلبل الأغصان عن ناظر الإنسان عن كوكب البستان عن وابل الهتان قال: مررت يومًا على حديقة، خضرة أنيقة، ظلولها وديقة، وأغصانها وريقة، وكوكبها أبدي بريقه ذات ألوان وأفنان، وأكمام وأكفان، وإذا بها أزرار الأنهار مجتمعة، وأنوار الأنوار ملتمعة، وعلى منابر الأغصان أكابر الأزهار، والصبا تضرب على رؤوسها من الأوراق الخضر بالمزاهر، فقلت لبعض من عبر، ألا تحدثوني ما الخبر فقال أن عساكر الرياحين قد حضرت وأزهار البساتين قد نظرت لما نضرت واتفقت على عقد مجلس حافل، لاختيار من هو بالملك أحق وكافل، وها أكابر الأزاهر قد صعدت المنابر، ليبدي كل حجته للناظر ويناظر، من بين أهل المناظر في أنه أحق أن يلحظ بالنواظر، من بين سائر الرياحين النواظر، وأولى بأن يتأمر على البوادي منها والحواضر، فجلست لأحضر فصل الخطاب، وأسمع لما يأتي به كل من فنون الحديث المستطاب.
فهجم الورد بشوكته ونجم من بين الرياحين معجبًا بإشراق صورته، وقال: بسم الله المعين، وبه نستعين، أنا الورد ملك الرياحين، والوارد منعشًا للأرواح ومتاعًا لها إلى حين، ونديم الخلفاء والسلاطين والمرفوع أبدًا على الأسرّة لا أجلس على ترب ولا طين، والظاهر لوني الأحمر على أزاهر البساتين، والأشرف من
1 / 11
كل ريحان فخرًا (بأني خلقت من عرق المصطفى وجبريل والبراق ليلة الإسراء)، والمظفر بقوة الشوكة والصولة، والمنصور على من نائي لأني صاحب الدولة، والعزيز عند الناس، والمودود بين الجلاس للإيناص، والعادل في المزاج، والصلح في العلاج، أسكن حرارة الصفراء، وأقوى الباطن من الأعضاء، وأطيب رائحة البدن، من شم مائي وبه غثي أو صداع حار سكن، وأقوى المعدة، وأفتح من الكبد السدد، وأنفع الأحشاء، وأقوى الأعضاء أنا ومائي ودهني كيف شاء، وأبرد أنواع اللهيب الكائنة في الرأس، ربما أستخرجها منه بالعطاس، وأنبت اللحم في العروق العميقة وأقطع الثآليل إذا استعملت أزاري سحيقة، وأنفع القلاع والقروح وأنا بعطريتي ملائم لجوهر الروح، وشمي نافع من البخار، مسكن للصداع الحاد، وبزري نافع للثة الفم، وأقماعي تقطع الإسهال ونفث الدم، ومائي يسكن عن المعدة حرا، وينفع من التهاب المرة والصفراء، وشرابي يطلق الطبيعة القوية، وينفع من الحميات الصفراوية وإذا شرب مائي بالسكر الطبرزد قطع العطش من المادة، ونفع أصحاب الحمى الحادة وإذا ضمدت العين بورقي الطري نفع من انصباب المواد، ومطبوخي طريا ويابسا ينفع من المد بالضمادة، ومطبوخ يابس صالح لغلظ الجفون، ومسحوقه إذا ذر في فراش المجد ور والمحصوب نفع من العفون، ومن تجرع من مائي يسيرا نفع من الغشى والخفقان كثيرا، ودهني شديد النفع للجراحات، وفيه مآرب كثيرة لذوي الحاجات، وأنا مع ذلكجلد صابر، أجري مع الأقدار إذا صليت بالنار، وكفي رفعة على الأقران أن لفظي مذكور في القرآن. في قوله تعالى في سورة الرحمن (فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان) [الرحمن ٣٧] .
وقد حماني أمير المؤمنين المتوكل كما حمى شقائق النعمان، وهذا تقليد من الخلافة بالملك على سائر الريحان، ولي من بينهم ابن يخلفني
1 / 12
في الحكم إذا غبت طول الزمان، فلهذا رفعت من أغصاني الأشاير، ودقت في داراتي البشاير وأعلمت في المشاعر.
وقال فيّ الشاعر
للورد عندي محل ... ورتبة لا تمل
كل الرياحين جند ... وهو الأمير الأجل
إن جاء عزوًا وتاهوا ... حتى إذا غاب ذلوا
وقال آخر
مليك الورد أضحى في جيوش ... من الأنهار في حلل بهية
فوافته الأزاهر طائعات ... لان الورد شوكته قوية
النرجس
فقام النرجس على ساق، ورمى الورد منه بالأحداق، وقال لقد تجاوزت الحد يا ورد وزعمت أنك جمع في فرد، إن اعتقدت أن لك بحمرتك فخرة، فإنها منك فجرة.
قال النبي ﷺ (إن الشيطان يحب الحمرة، فإياكم والحمرة، وكل ثوب ذي شهرة) .
وإن قلت أنك النافع في العلاج فكم لك في مهاج الطب من هاج، ألست الضار للمزكوم، المعطش المحرور الدماغ عند المشموم المضعف للباه، النائم بلا انتباه، أتغتر ببردك القشيب، وأنت الجالب للمشيب، فحفظ بالصمت حرمتك، وإلا كسرت بقائم سيفي شوكتك، ويكفيك قول ابن الرومي فيك.
يا مادح الورد لا ينفك من غلطه ... ألست تنظره في كف ملتقطه
كأنه صرم بغل حبيس سكرجه ... عند البراز وباقي الروث في وسطه
ولكن أنا القائم لله ﷿ في الدياجي على ساقي، الساهر طول الليل في عبادة ربي فلا تطرف أحداقي، وأنا مع ذلك المعد للحروب، المدعو عند تزاحم الكروب ألا ترى وسطي لا يزال مشدودا، وسيفي لا يبرح مجردا وأنا فريد الزمان في المحاسن والإحسان، ولهذا قال في كسرى أنو شروا ن النرجس ياقوت أصفر بين در أبيض على زمرد أخضر، وأنا المشبه بي عيون الملاح
1 / 13
المعروف في مهمات الأدواء بالصلاح، أنفع غاية النفع من داء الثعلب والصرع.
وقد روي في حديث رواية غير مقل ولا مفلس (شموا النرجس فإن في القلب حبة من الجنون والجذام والبرص لا يقطعها إلا شم النرجس) .
وفي أصلي قوة تلحم الجراحات العظيمة، وتنفع ذكر العنين وتجيد تقويمه وشمي ينفع من وجع الرأس والزكام البارد، وفي تحليل قوي لمن هو قاصد ودهني نافع لأوجاع العصب والأرحام، وأوجاع المثانة والأذن والصلب من الأورام، ولولا اشتهاري بالنفع من الجوى ما أكثر النحاة التمثيل بقولهم نرجس الدواء، ومن الدليل على صلاحي أن أبا نواس غفر له بأبيات قالها في امتداحي.
تأمل في رياض الأرض وانظر ... إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين فاخرات ... بأحداق كما الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات ... بأن الله ليس له شريك
وقال آخر
عيون إذا عاينتها كأنها ... دموع الندا وما فوق أجفانها ور
محاجرها بيض وأحدافها صفر ... وأجسامها خضر وأنفاسها عطر
وقد أحسن ابن الرومي حيث قال
فبينا فضلي على كل حال ... أيها المحتج للورد بزود محال
وذهب النرجس بالفض ... ل فانصف في المقال
لا تقاس الأعين النج ... ل بأصرام البغال
الياسمين
فقام الياسمين: وقال آمنت برب العالمين لقد تجبست يا جبس وأكثرك رجس نجس، وأنت قليل الحرمة، واسمك مشمول بالعجمة، وكيف تطلب الملك وأنت بعد قائم مشدود الوسط في الخدمة، رأسك لا يزال منكوس، وأنت المهيج للقيء المصدع من المحرورين للرؤوس، تسقط الجنين، ولا ترثي للحنين، أصفر من غير علة، مكسو أحقر حلة، ويكفيك بعض واصفيك.
أرى النرجس الغض الزكي مشمرا ... على ساقه في خدمة الورد قائم
1 / 14
وقد ذل حتى لف من فوق رأسه ... عمائم فيها لليهود علائم
ولكن أنا زين الرياض، والموسوم في الوجه بالبياض والبياض شطر الحسن كما ورد وأنا ألطف ورد جاء ورد.
وجاء ذكري في حديث فاح بنشره (أن قارئ القرآن يؤتى بياسمين الجنة في قبره) .
فحديثي أصح من حديثك سندا، ونشري أعبق من نشرك صباحا وندا، فأنا أحق بالملك منك منصورا ومؤيدا، وأنا النافع من أمراض العصب الباردة والملطف للرطوبات الجامدة، والصالح للمشايخ القاعدة، أنفع من اللوقة والشقيقة والزكام، ومن وجع الرأس البلغمي والسوداوي وأقطع نزف الأرحام، ودهني نافع من الفالج ووجع المفاصل، ويحلل الأعياء ويجلب العرق الفاضل، ويقول لي لسان الحال ليس الهزيل مقام السمين، ويشهد لسان الألثع بأني الدر الغالي إذا قال يا ثمين، وقول بعض البلغاء في
أنا الياسمين الذي لطفت فنلت المنا ... فريحي لمن قد نأى وعيني إلى من دنا
وقد شرفت حضرتي ... بصبري على من جنى
البان
فقام البان وأبدى غاية الغضب وأبان، وقال لقد تعديت يا ياسمين طورك وأبعدت في المدى غورك، وكونك أضعف الكون، وكثرة شمك يصفر اللون وإذا سحق اليابس منك ورض، ودر على الشعر الأسود ابيض، وإذا قسم اسمك قسمين صار ما بين يأس ومين، وإن ذكرت نفعك، فأنت كما قبل لا تساوي جمعك ولقد صدق القائل من الأوائل.
لا مرحبا بالياسمين ... وإن غدا في الروض زينًا
صحفته فوجدته ... متقلدًا ياسًا ومينًا
ولكن أنا ذو الإسمين، والظافر من الأصل والقرع بالقسمين والقريب من الباز والمضروب بقدي المثل في الاهتزاز، إنها ري عالية،
1 / 15
وأدهاني غالية، وقد ألبست حلة من السناجب، واتفق على فضلي الإنجاب، أنفع بالشم من مزاجه حار، وأرطب دماغه وأسكن صداعه الكائن من البخار، ودهني نافع لموضع كل وجع بارد، وتحت ذلك صور كثيرة الموارد، من الرأس والأذن والضرس وفقار المفلوج والمجدور، والمعدة والكبد والطحال وكل عصب بالصلابة مقصور ويكفي في وردي قول ابن الوردي.
تجادلنا أمام الزهر أزكى ... أم الغلاف أم ورق القطاف
وعقبي ذلك الجدل اصطلحنا ... وقد وقع الوفاق على الخلاف
النسرين
فقام النسرين بين القائمين منتصرا لأخيه الياسمين، وقال أتتعدى يا بان على شقيقي وابن الفراء من الذهب الدبيقي، وكيف يفاخر البلور من هو شبيه بذنب السنور، ألم يعرفك الحال قول من قال:
لله بستان حللنا دوحه ... في جنة قد فتحت أبوابها
والبان تحسبه سنانير رأت ... بعض الكلاب فنفشت أذنابها
ولكن أنا زين البستان، وفي من الذهب والفضة لونان، أنفع من أورام الحلق واللوزتين ووجع الأسنان، ومن برد العصب والدوي والطنين في الآذان، وأفتح ما يسد به المنخران، وأقتل الديدان، وأسكن القيء والفواق، وأقوي القلب والدماغ على الإطلاق، وأحلل الرياح من الصدر والرأس، وأخرجها منه بالعطاس، وينتفع بي أصحاب المرة السوداوية غاية الإنتفاع، والبري مني لطخ به الجبهة سكن الصداع، وإذا تدلك في الحمام بماء مني استحق طيب رائحة البدن والعرق، وإذا شربت من مجففي نصف مثقال، منع إسراع الشيب على التوال، ودهني يحلل أوجاع الأرحام الكائنة بردا وينفع من الشوصة العارضة من سوء المزاج والبلغم والمرة السوداء. ويكفيك من المعاني قول من عناني:
ما أحسن النسرين عندي ... وما أملحه مذ كان في عيني
1 / 16
زهر إذا ما أنا صحفته ... وجدته بشرى وبشرين
البنفسج
فقام البنفسج: وقد التهب ولاحت عليه زرقة الغضب، وقال أيها النسرين لست عندنا من المعدودين، ولا في الصلاح من المحمودين، لأنك حار يابس إنما توافق المبرودين، ولا تصلح إلا للمشايخ المبلغمين، وأنت كثير الإذاعة فلست على حفظ الأسرار بأمين، ويعجبني ما قاله فيك بعض المتقدمين:
ولم أنس قول الورد لا تركنوا إلى ... معاهدة النسرين فهو يمين
ألا تنظروا منه بنانا مخضبا ... وليس لمخضوب البنان يمين
ولكن أنا اللطيف الذات، البديع الصفات، المشبه بزرقة اليواقيت وأعناق الفواخيت، مزاجر رطب بارد، ومنافعي كثيرة الموارد، أولد دما في غاية الاعتدال، وأنفع الحار من الرمد والسعال وأسكن الصداع الصفراوي والدموي لمن شم أو ضمد، وألين الصدر وأنفع من التهاب المعد، وأنفع من ورم العين ومن كل ورم حاد، ومن نتؤ المقعدة إذا تضمد به على التكرار، وشرابي لذات الجنب والرئة والكلى وللسعال، والشوصة ويدر البول مخللا ويابس يستعمل للصفراء ليسهل غاية الإسهال، والمربى منه بالسكر يلين الحلق والبطن وينفع من السعال، وورقي طلاء جيد للجرب الصفراوي والدموي، وزهري ينفع من النزلات الصدرية والزكام القوي، وإذا شرب بالماء نفع من أم الصبيان وهو الخناق أو سفه من به إطلاق صفراوي لداغ أجد ر بقية الخلط وأقطع الإطلاق.
وكفاني ما بين الإخوان ما روي عن سيد ولد عدنان ﷺ وشرف وكرم (أن دهني سيد الأدهان) .
بارد في الصيف حار في الشتاء فهو صالح في كل زمان، وذلك لأنه يسكن القلق وينوم أصحاب الأرق، وينفع المصطكي من الورم الصفراوي بين أصابع الإنسان، ويجذب الصداع من الرأس إذا دهن به الرجلان ويلين صلابة المفاصل والعصب، وهو طلاء جيد للجرب،
1 / 17
ويعدل الحرارة التي لم تتعدل، ويسهل حركة المفاصل فتتسهل، وينفع سعوطا من الصداع الحاد، ويحفظ طلاء صحة الأظفار، وينفع من الحرقة والحرارة التي تكون في الجسد، ويصلح من الشعر المنتثر دهنا ما فسد، وإذا قطر في الإحليل سكن حرقه وحرقة المثانة، وينفع من يبس الخياشيم فجل الخالق الباري سبحانه، وإذا تحسس منه في الحمام وزن درهمين نفع من ضيق النفس على الريق بلا مين، وإذا حل فيه شمع مقصور أبيض ودهن به صدر الأطفال نفعهم منفعة قوية من السعال.
وروى ابن أبي حاتم وغيره عن الإمام الشافعي صاحب المذهب المهذب أنه قال: لم أر للوباء أنفع من البنفسج يدهن به ويشرب.
ومنافعي لا تحصى، وما أودعه خالقي في لا يستعصى، وبي تعطر الجيوب، ويشبه عذار المحبوب، وأنا مع ذلك حسن القال، بديع الجمال، من رآني أذن بالانشراح، وتفاءل بالإنفساح، ألا تسمع قول من باح وصاح.
يا مهديا لي بنفسي أرجا ... يرتاح صدري له وينشرح
بشرني عاجلا ومصحفه ... بأن ضيق الأمور ينفسح
النيلوفر
فقام النيلوفر: على ساق، وحشد الجيوش وساق، وأنشد بعد إطراق
بنفسج الروض تاه عجبا ... وقال طيبي للجو ضمخ
وأقبل الزهر في احتفال ... والبان من غيظه تنفخ
ثم قال أيها البنفسج بأي شيء تدعي الإمارة، وتطاوع نفسك والنفس أمارة، وأكثر ما عندك أنك تشبه بالعذار وبالنار في الكبريت، وحاصل هذين يرجع إلى أشنع صيت، وما نفع ذكرته عنك إلا وأنا أفعل مثله وأكثر، وأنا أحرى لسلامة العاقبة منك، وأجدر من شرب اليابس منك ولده قبضا على القلب، وربى في معدته وأمعائه وأحدث له الكرب، وانحلالك يطفي المادة، لا سيما لمن به حمى حادة ومرباك
1 / 18
يسقط الشهوة ويرخي المعدة عن القوة، وقد كفانا مؤنة الرد عليك وحذرنا من القرب منك والإصغاء إليك فقال.
أعلي يفتخر البنفسج جاهلا ... وإلي يغري كل فضل يبهر
وأنا المحبب للقلوب زمانه ... وبمقدمي أهل المسرة يفخر
وقال الحاكي عن الورد الباكي
عاينت ورد الروض يلطم خده ... ويقول وهو على البنفسج محنق
لا تقربوه وإن تضوع نشره ... ما بينكم فهو العدو الأزرق
ولكن أنا اللطيف الفواص، الكثير الخواص، أسكن الصداع الحاد، وأذهب بالأرق والأسهار، شرابي شديد الإطفاء، بعيد عن الاستحالة إلى الصفراء صالح لأصحاب الحميات الحادة، نافع من السعال والشوصة، ويبس المادة، ويشرب للاحتلام لمن أراد إسكانه، وبزري وأصلي نافع لوجع المثانة، وأنا أشد من البنفسج ترطيبا، وأبعد من ضرره بالمعدة وأدنى إليها طيبًا.
وما أحسن ما قال في بعض واصفي هذه الأبيات
يرتاح للنيلوفر القلب الذي ... لا يستفيق من الغرام وجده
والورد أصبح في الروايح عبده ... والنرجس المسكي خادم عبده
يا حسنه في بركة قد أصبحت ... محشوة مسكا يشاب بنده
ومني صنف يقال له البنشين، يشابهني في التكوين، لا في التلوين يحدث عند إطباق النيل، وله في منافع الطب تنويل، دهنه محمود في البرسام إذا تسعط به ذوو الأسقام، وأصله البيارون يزيد في الباه كثيرا ويسخن المعدة ويقويها ويقطع الزحير، وقد أنشد فيه من أراد أن يوصله حقه ويوفيه.
وبركة بغدير الماء قد طفحت ... بها عيون من البشنين قد فتحت
كأنها وهي تزهو في جوانبها ... مثل السماء وفيها أنجم سبحت
الآس
فقام الآس: وقد استعد وقال يا نيلوفر لقد تجاوزت الحد،
1 / 19
ألست المضعف للباه الجالب للإنسان صفة الشيخوخة في صباه، ترخي الذكر وتجمد المني وتنغص على المتزوجين عيشهم الهني، ولقد عرفك من قال حين وصفك.
ونيلوفر أبدى لنا باطنا له ... مع الظاهر المخضر حمرة عندم
فشبهته لما قصدت هجاه ... بكاسات حجام بها لوثه الدم
ولكن أنا أحق بالحجة المبينة.
فقد أخرج ابن أبي حاتم وابن السني عن ابن عباس (أول شيء غرس نوح الآس حين خرج من السفينة) .
وهذه حجة على الاستحقاق قوية، لأن الأولية نوع من الأولوية.
ثم يعتضد هذا القياس بما أخرج ابن السني وأبو نعيم عن ابن عباس قال: (أهبط من الجنة بسيد ريحان الدنيا الآس) .
وهذا نص في المراد قاطع للالتباس، وأنا المقوي للأبدان الحابس للإسهال والعرق وكل سيلان، المنشف من الرطوبات، المانع من الصنان، المسكن للأورام والحمرة والشري والصداع والخفقان، إذا دق ورقي الغصن وضرب بالخل على الرأس قطع الرعاف، وجبي يقطع العطش والقيء، وينفع إذا تدخنت به المرأة من الإنزاف ورمادي يدخل في أدوية الظفرة، ودهني لحرق النار وشقاق المعدة والبترة، وليس في الأشربة ما يعقل وينفع السعال والرئة غير شرابي، وإذا أخذ من قضباني حلقة وأدخل فيها الخنصر سكنت ورم الأرابي، وأنا الباقي على طول الزمن.
وقال في بعض الأعيان:
الآس سيد أنواع الرياحين ... في كل وقت وحين في البستان
يبقى على الدهر لا تبلى نضارته ... من المصيف ولا في برد كانون
وقال آخر
للآس فضل بقائه ووفائه ... ودوام منظره على الأوقات
قامت على أغصانه ورقاته ... كنصول نبل جئن مؤتلفات
الريحان
فقام الريحان وقال يا آس لأجرحنك جرحا ما له من آس، ألم
1 / 20
يرد فيك عن طرق الأئمة الأعلام عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام (أنه نهى عن التخلل بك والاستياك لأنك تسقي وتحرك عروق الجذام) .
إذا قالت حذام فصدقوها ... فإن القول ما قالت حذام
وأنا الوارد في عليكم بالمرزنحوش فشموه فإنه جيد للخشام، والمؤذن لأصحاب الأرق بالنيام، والنافع من الماليخوليا واللقوة وسيلان اللعاب وبرد الأحشاء ومن عسرالبول والمغص وابتداء الإستسقاء، ومن الأوجاع العارضة من البرد والرطوبة وأجفف رطوبة المعدة والأمعاء، وأحلل النفخ وأفتح السدد، وأدر الطمث، وأنفع من لسعة العقرب لمن بالخل ضمد، ودهن لما يعرض في الرحم من الاختناق والانضمام والانقلاب، ويدخل في الضمادات للفالج الذي يعرض فيه ميل الرقبة إلى الخلف، وتشنج الأعصاب، وتسكين وجع الظهر والأربية ويخرج المشمة وناهيك بها تبرئة، ومع هذا فأنا المنوه باسمي في القرآن في قوله تعالى (فروح وريحان) [الواقعة٨٩] .
وإن كان الجنس في هو المراد، فقد قصر هذا الاسم على قصر إفراد.
وقد ورد في الصحيحين عن سيد بني كنانة (مثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة) .
وحسبك مني في التشبير قول من قال على البديه:
أما ترى الريحان أهدى لنا ... حما حما منه فأحيانا
كأنه في ظله والندى ... زمردا يحمل مرجانا
فعطف عليه الآس وقال يا ريحان أتريد أن تسود وأنت مشبه بها مات العبيد السود، ألم يغنك عن مقصوري قول الشهاب المنصوري.
أهلا وسهلا بريحاننا ... كأنه هامات تكر وري
وقال آخر
وريحان تميس به عصون ... يطيب يشمه لثم الكؤوس
كسودان لبس ثياب خز ... وقد قاموا مكاشيف الرؤوس
1 / 21