Maqam Al-Rashad: Between Imitation and Interpretation
مقام الرشاد بين التقليد والاجتهاد
Investigator
أَبِي الْعَالِيَةَ محَمّدُ بِنُ يُوسُفُ الجُورَانِيّ
Publisher
بدون ناشر أو رقم طبعة أو عام نشر!
Genres
تَألِيفُ
فَضَيلةِ الشَّيْخِ العَلاَّمةِ
فَيْصَلَ بِنَ عَبدِ العَزِيزِ آل مُبَارَك
ت ١٣٧٦هـ ﵀
تَحْقَيِقُ
أَبِي الْعَالِيَةَ محَمّدُ بِنُ يُوسُفُ الجُورَانِيّ
مُقَدِّمة إنَّ الحمْدَ للهِِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتعِينُهُ ونَسْتغفِرُهُ، ونَعُوذُ بِِاللهِِ مِنْ شُرورِ أَنْفسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِل فَلا هَادِي لَهُ، وأَشْهدُ أنَّ لا إِلَهَ إِلَّا الله وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢] ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدا ً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠، ٧١] . أمَّا بعدُ: فَإنَّ أصدقَ الحدِيْثِ كِتابُ اللهِ تعالى، وخَيرَ الهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعة، وكلَّ بِدْعةٍ ضَلالة، وكلَّ ضَلالةٍ في النَّارِ. فَإنَّ مِنْ أجلِّ القُرَبِ والطَّاعاتِ التي يَنْبَغي للمُسْلمِ السَّعْيُ فِيْها، والمسَارعةُ إِلَيْهَا والازدِيَادُ مِنْها؛ الاشتِغَالُ بِعُلومِ الشَّرِيعةِ الغرَّاءِ، مَعْ حُسْنِ النيَّةِ، سَائرًا في ذِلك عَلى مِنْهاجِ النُّبوَّةِ المُحَمَّديَّةِ، ومُقْتَفِيًا آثارَ السَّلفِ العَلِيَّة. قَال الحقُّ جَلَّ فِي عُلاهُ: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: ١١٤] قَال الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ ﵀: «وَاضِحُ الدَّلَالَةِ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ نَبِيَّهُ ﷺ بِطَلَبِ الِازْدِيَادِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ الْعِلْمِ، وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ؛ الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي ... يُفِيدُ مَعْرِفَةَ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مِنْ أَمْرِ عِبَادَاتِهِ وَمُعَامَلَاتِهِ، وَالْعِلْمُ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ، وَمَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الْقِيَامِ بِأَمْرِهِ، وَتَنْزِيهِهِ عَنْ النَّقَائِصِ، وَمَدَارُ ذَلِكَ عَلَى التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ» (١) . _________ (١) الفتح (١/١٨٧) .
مُقَدِّمة إنَّ الحمْدَ للهِِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتعِينُهُ ونَسْتغفِرُهُ، ونَعُوذُ بِِاللهِِ مِنْ شُرورِ أَنْفسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِل فَلا هَادِي لَهُ، وأَشْهدُ أنَّ لا إِلَهَ إِلَّا الله وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢] ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدا ً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠، ٧١] . أمَّا بعدُ: فَإنَّ أصدقَ الحدِيْثِ كِتابُ اللهِ تعالى، وخَيرَ الهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعة، وكلَّ بِدْعةٍ ضَلالة، وكلَّ ضَلالةٍ في النَّارِ. فَإنَّ مِنْ أجلِّ القُرَبِ والطَّاعاتِ التي يَنْبَغي للمُسْلمِ السَّعْيُ فِيْها، والمسَارعةُ إِلَيْهَا والازدِيَادُ مِنْها؛ الاشتِغَالُ بِعُلومِ الشَّرِيعةِ الغرَّاءِ، مَعْ حُسْنِ النيَّةِ، سَائرًا في ذِلك عَلى مِنْهاجِ النُّبوَّةِ المُحَمَّديَّةِ، ومُقْتَفِيًا آثارَ السَّلفِ العَلِيَّة. قَال الحقُّ جَلَّ فِي عُلاهُ: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: ١١٤] قَال الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ ﵀: «وَاضِحُ الدَّلَالَةِ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ نَبِيَّهُ ﷺ بِطَلَبِ الِازْدِيَادِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ الْعِلْمِ، وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ؛ الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي ... يُفِيدُ مَعْرِفَةَ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مِنْ أَمْرِ عِبَادَاتِهِ وَمُعَامَلَاتِهِ، وَالْعِلْمُ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ، وَمَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الْقِيَامِ بِأَمْرِهِ، وَتَنْزِيهِهِ عَنْ النَّقَائِصِ، وَمَدَارُ ذَلِكَ عَلَى التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ» (١) . _________ (١) الفتح (١/١٨٧) .
1 / 1
فَلَو قَد ذُقتَ مِن حَلواهُ طَعما ... لَآثَرتَ التَعَلُّمَ وَاِجتَهَدتا
ًوَلَم يَشغَلْكَ عَنهُ هَوىً مُطاعٌ ... وَلا دُنْيَا بِزُخرُفِها فُتِنْتا
وَلا أَلهاكَ عَنهُ أَنيقُ رَوضٍ ... وَلا دُنْيَا بِزِينَتِهَا كَلِفْتا
فَقُوتُ الرُّوحِ أَرواحُ المعَانِي ... وَلَيسَ بِأَن طَعِمتَ وَلا شَرِبْتا
فَواظِبهُ وَخُذْ بِالجِدِّ فيهِ ... فَإِنْ أَعطاكَهُ اللَهُ انْتَفَعْتَا (١)
وَلِأَجْلِ هَذا وذَاك، تَطلَّعَتْ هِمَّةُ الشَّيخِ فَيْصَلَ ﵀ بِالمشَارَكَةِ - ولَو بِالقَلِيلِ - فِي هَذا الفَنِّ الجَدِيرِ بِالاهتِمَامِ؛ فَأخَرْجَ لَنَا هَذِهِ الدُّرَةَ، وهَاتِهِ الرَّائعَةَ مِنْ رَوَائِعِ تَصَانِيْفِهِ؛ فَاسْتَلَّ هَذهِ الرِّسالةَ اسْتِلَالَ العَالِمِ النَّحْرِيْرِ، والنَّاقدِ البَصِيْرِ، مِنْ بِيْنِ مَوضُوعَاتِ الاجْتِهادِ والتَّقْليدِ وأَبْحَاثِهِمَا المتَشَعِّبِةِ؛ فَرَفَعَ لِوَاءَ الاجْتِهادِ وَأَهَمِّيَّتَهُ، وَحَثَّ العُلَمَاءَ وَطَلَبَةَ العِلْمِ المتَّقِيْنَ إِلَيْهِ، وَأَنْ يَدُورُوا مَعْ الدَّلِيْلِ حَيْثُ دَارَ، وَيَتْرُكُوا أَقْوَالَ العُلَمَاءِ إِنْ خَالَفَتْهُ؛ فَمَحَبَّةُ الحَقِّ أَحَبُّ مِنْ مَحَبَّةِ الخَلْقِ؛ فَسَاقَ هَذِهِ الرِّسَالَةَ بِبَرَاعةِ أُسْلُوبِهِ، وَجَمَالِ رَوْنَقِهِ؛ مِمَّا جَعَلَهَا سَهْلةً يَسِيْرةً بَعِيدةً عن التَّعْقيدِ والتنْظِيرِ؛ كعَادَةِ أَصْحَابِ الأُصُولِ والمتِكَلِّمِينَ.
فَجَاءتْ رِسَالتُهُ مَاتِعَةً في بَابِها؛ نَافِعَةً لطُلاَّبِهَا؛ فجَزَاه اللهُ خَيْرَ الجَزَاءِ عَلى مَا نَفَعَ بِهِ الإِسْلامَ والمسْلِمِينَ.
وَإذَا كَانَ ذَلكَ كَذَلِكَ؛ فَقَدْ نَشِطَتْ الهِمَّةُ، وقَوِيتْ العَزِيمةُ، وحَسُنتْ النِّيَّةُ - إنْ شَاءَ اللهُ - فِي إِخْراجِ هِذهِ الرِّسالَةِ الَّلَطِيفةِ، في ثَوْبٍ جَديدٍ مُتْقَنٍ - إنْ شَاءَ اللهُ - عَلَّنِي أَدْخُلَ في صُفوفِ أُولئكَ النَّفرِ الَّذِين يَخْدِمونَ مِيراثَ العُلَماءِ - وأَنَا المتَطفِّلُ عَلَيْهِم - لِيستَفِيدَ مِنْه مَنْ خَلْفَهُمْ، وليَقِفُوا عَلى أَرَائِهم في تَصَانِيْفِهِم؛ فيَذْكُرُونَا بِالجَمِيلِ، بَعْدَ وقْتِ الرَّحيلِ؛ فَاللهُمَّ أَنْتَ بِكُلِّ جَميلٍ كَفِيلٍ، وأَنْتَ حَسْبُنا ونِعْم الوَكِيل.
وَرَحِمَ اللهُ ابنَ الجوزيِّ حِيْن نَقَل عَنْ الإمامِ العَالِمِ المُجَاهِدِ عَبْدِ اللهِ بِنِ المبَارَكِ، إذْ يَقُولُ: «لا أَعْلَمُ بَعْدَ النُّبُوَّةِ أَفْضَلُ مِنْ بَثِّ العِلْمِ» (٢) .
_________
(١) من قصيدة أبي إسحاق الإلبيري ﵀، انظرها في الجامع للمتون العلمية للشمراني (٦٢٩) .
(٢) صفة الصفوة (٤/١٢٤) .
1 / 2
ومِنْ المنَاسِبِ أنْ تُبيَّنَ خِطَّةُ العَمَلِ في هَذهِ الرِّسَالةِ؛ فَيُقَالَ بَعْدَ عَوْنِ اللهِ وتَوْفِيقِهِ:
أَولًا: قدَّمَ المحقِّقُ مُقدِّمةً يَسِيرةً بَيْنَ يَدَي الرِّسَالةِ كتَمْهِيدٍ، واحْتَوتْ عَلى:
١- تَرْجَمَةِ المؤلِّفِ ﵀، وبَيانِ مَصَادِرِ تَرْجَمَتِهِ.
٢- دِرَاسةِ الرِّسالةِ، مِنْ حَيْثُ مَوْضُوعِها، وصِحْةِ نِسْبَتِها لِلِّمُؤَلِّفِ، وَوَصْفِ النُّسَخِ المطْبُوعَةِ، والنُّسْخَةِ المعْتَمَدَةِ فِي التَّحْقِيقِ.
ثانيًا: تَوْثِيقُ النَّصِّ.
ثُمَّ خُتِمَت بِالفِهْرِسِ.
واعْلَم أَيُّهَا القَارِئُ الكَرِيم أنَّ «نتائِجَ الأِفْكَارِ عَلى اختِلافِ القَرَائحِ لا تَتَنَاهَى، وإنَّما يُنفقُ كلُّ أَحدٍ على قَدْرِ سَعَتهِ، لا يُكلِّفُ اللهُ نفسًا إلا مَا آتَاهَا، ورَحِم اللهُ مَنْ وَقَفَ فِيهِ عَلى سَهْوٍ أو خَطَإٍ؛ فأصْلَحَهُ عَاذرًا لا عَاذِلًا، ومُنيلًا لا نَائِلًا؛ فَلَيْسَ المبرَّأُ من الخَطَلِ إلا مَنْ وقَى اللهُ وعَصَمْ، وقَدْ قِيل: الكتابُ كالمُكَلَّفِ؛ لا يَسْلَمَ مِنْ المُؤاخَذَةِ ولا يَرْتفعَ عَنْه القَلَمُ، واللهُ تَعَالى يُقرنُهُ بالتَّوفِيقِ، ويُرشدُ فيهِ إِلى أَوْضَحِ طَريقٍ، ومَا تَوْفيقي إلا بِالله عَليه تَوكلتُ وإليهِ أُنِيب» (١) .
ومَا خطَّ كفُ امرئٍ شيئًا ورَاجعَهُ ... إلَّا وعَنَّ لَهُ تَبْدِيلُ مَا فِيْهِ
ًوقَالَ ذَاكَ كَذَا أَوْلَى وَذَاكَ كَذَا ... وإنْ يَكُنْ هَكَذَا تَسْمُوُ مَعَانِيهِ
وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ عَلى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وعَلى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِيْن.
قَالَهُ مُقيِّدُهُ
أَبُو الْعَالِيَة
محَمّدُ بِنُ يُوسُفُ الجُورَانِي
المنطقةالشرقية١٤٢٢هـ (٢)
M_aljorany@hotmail.com
_________
(١) صبح الأعشى (١/٣٦) .
(٢) ثم أعدتُ النظر فيها من جديد في رمضان لعام ١٤٢٧هـ؛ لتطبع مع مجموع مؤلفات الشيخ ﵀ بعناية سبطه الشيخ المفضال محمد بن حسن آل مبارك نفع الله به.
1 / 3
تَرْجَمةٌ مُوجَزَةٌ:
لِلشَّيخِ فَيْصَلَ بِنَ عَبدِ العَزِيزِ آل مُبَارَكِ ﵀ (١) .
* اسْمُهُ وَنَسَبُهُ:
هُوَ الشَّيخُ العَالِمُ المفَسِّرُ الفَقِيْهُ القَاضِي الجلِيْلُ: فَيْصَلَ بِنَ عَبدِ العَزِيزِ بِنِ فَيْصَلَ بنَ حَمَدِ بِنِ مُبَارَكِ آلِ حَمَدٍ النَّجْدِيِّ ﵀.
* مَوْلِدُهُ ونَشْأَتُهُ:
وَلِدَ الشَّيخُ ﵀ فِي بَيْتِ عِلْمٍ وفَضْلٍ، عَام ١٣١٣هـ فِي حُرَيْمَلاءٍ
وَحِيْنَ بَلَغَ السَّابِعَةَ مِنْ عُمُرِهِ انتَقَلَ مَعْ بَعْضِ أَفْرَادِ أسْرَتِهِ إِلى الرِّيَاضِ، وفِي عَام ١٣٢٢هـ قُتِلَ وَالِدُهُ فِي مَوْقِعَِة البِكِيْرِيَّةِ وكانَ مع جَيشِ الملكِ عبد العزيز ﵀؛ فَنَشَأَ يَتِيْمًَا؛ فَتَولَّى رِعَايَتَهُ مِعْ إِخْوَتِهِ عَمُّهُ الشَّيخُ مُحَمَّدُ بِنُ فَيْصَلَ ﵀؛ فَكَانَ لَهُم بِمَثَابَةِ الأَبِ الصَّالِحِ لِلابْنِ الصَّالِحِ.
_________
(١) مصادر ترجمته:
الأعلام للزركلي (٥/١٦٨)، ومشاهير علماء نجد لآل الشيخ (٣٩٨)، وعلماء نجد خلال ثمانية قرون للبسام (٥/٣٩٢)، وروضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين لمحمد بن عثمان بن صالح القاضي (٢/١٥٩)، ومعجم مصنفات الحنابلة للطريقي (٧/٢٦)، وموسوعة آسبار (٣/٩٣٦)، وممن أفرده بالترجمة أبو بكر فيصل البديوي في «العلامة المحقق والسلفي المدقق»، ومحمد بن حسن عبد الله آل مبارك في ... «المتدارك من تاريخ الشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك»، وترجم له الشيخ حماد بن عبد الله الحماد في مجلة العدل العامرة (١٠/٢٠٣)، وكذا علي جواد الطاهر في مجلة العرب (٩/٩٠٩)، وغيرهم من الذين ترجموا له في بداية كتبه سواءً من تلاميذه أو محققي كتبه ﵀، وأحسنها ترجمة الشيخ عبد العزيز الزير في تحقيقه لتفسيره، ثم أحسن هذه الكتب المفردة؛ كتاب: «معالم الوسطية والتيسير والاعتدال في سيرة الشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك» فقد جاء شاملًا عن حياته ﵀، وهو لسبطه الشيخ الفاضل محمد بن حسن آل مبارك جزاه الله خيرًا كثيرًا ونفع به. والله أعلم.
1 / 4
لَقَدْ دَرَسَ الشَّيخُ ﵀ القُرْآنَ عَلى يَدِ الشَّيخِ عَبْدِ العَزِيزِ الخيَّالِ ﵀ فِي الرِّيَاضِ، وَمَكثَ بِهَا أربع سنوات، وَمِنْ ثَمَّ رَجَعَ إِلى حُرَيْمَلاءَ عَام ١٣٢٤هـ فدرَسَ على علماءِ بلدتِه، ثُمَّ كانَ بعدَ ذلِكَ يتردَّدُ عل الرياضِ للقراءةِ على عُلمائِها.
* طلَبَهُ ُلِلعِلْمِ:
حَرِصَ الشَّيخُ ﵀ مُنْذُ نُعُومَةِ أَظْفَارِهِ عَلى تَلقِّي العِلْمَ وَالجِدِّ فِي تَحْصِيلهِ، وَلَيْسَ هَذا بِغَرِيبٍ؛ فَقَدْ نَشَأَ فِي بَيْتٍ عَرِيقٍ فِي الفَضْلِ وَالكَرَمِ وَالعِلْمِ؛ فَعَمُّهُ الشَّيخُ مُحَمَّدُ بِنُ فَيْصَلَ أَحَدُ العُلَمَاءِ الأَفَاضِلِ فِي حُرَيْمَلاءَ، وَجَدُّهُ لِأُمِّهِ الشَّيخُ نَاصِرُ بِنُ نَاصِرِ بِنِ مُحَمَّدِ بِنِ نَاصِرِ كَانَ مِثْلَ عَمِّهِ مَعْرُوفًَا بِالعِلْمِ وَالخَيْرِ والصَّلاحِ؛ فَالبِيئَةُ الَّتِي عَاشَ فِيْهَا الشَّيخُ بِيئَةً تَبْعَثُ فِي النَّفْسِ الِهمَّةَ عَلى تَحْصِيلِ العِلْمِ والمِيرَاثِ النَّبَوِيِّ.
وَبِفَضْلِ اللهِ ﷿ حَفِظَ القُرْآنَ الكَرِيمَ وَهُوَ فِي سِنِّ الثَّامِنَةَ عَشْرَ مِنْ عُمُرِهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ حَرِصَ عَلى تَلَقِّي الأَهَمِّ فَالمهِمِّ مِنْ العِلْمِ: فَبَدأَ بِالأُصُولِ الثَّلاثَةِ، ثُمَّ كِتَابِ التَّوحِيدِ، ثُمَّ العَقِيدَةِ الوَاسِطِيَّةِ، ثُمَّ أَخَذَ يَتَعَلَّمُ الفِقْهَ والنَّحْوَ والفَرَائِضَ، حَتَّى أَصْبَحَ بِفَضْلِ اللهِ ذَا إِلْمَاٍم كَبِيرٍ بِكَثيرٍ مِنْ عُلومِ الدِّيْنِ.
وتَلَقَّى الشَّيخُ ﵀ العِلْمَ عَنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ بَلَدِهِ حُرَيْمَلاءَ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلى الرِّيَاضِ لِيُكْمِلَ مِشْوَارَهُ الَّذي قَطَعَهُ فِي تَحْصِيلِ العِلْمِ؛ فَأخَذَ عَنْ عُلَمَائِهَا الأَجِلَّاءِ وَرِجَالِهَا النُّبَلاءِ.
وَبَعْدَ أَنْ تَمَّ فَتُحُ بِلادِ الأَحْسَاءِ عَام ١٣٣١هـ ارْتَحَلَ إِليْهَا لِلاسْتِزَادَةِ مِنْ العِلْمِ؛ فَدَرَسَ عَلى الشَّيخِ عِيْسَى بِنِ عَكَّاسٍِ ﵀، والشَّيخِ عَبْدِ العَزِيزِ بِنِ بِشْرٍ ﵀، ثُمَّ ارْتَحَلَ إِلى قَطَرَ، حَيْثُ دَرَسَ عَلى الشَّيخِ مُحَمَّدِ بِنِ مَانِعٍ ﵀ ضُرُوبَ العِلْمِ وَفُنُونِهِ (١) .
شيوخه:
تلقَّى الشَّيخُ ﵀ العِلْمَ عَلى أَيْدِي عُلَمَاءَ عُرِفُوا بِالصَّلاحِ، وَصَفَاءِ العَقِيدَةِ، وَكَانَ مِنْ أَبْرَزِهِمْ:
_________
(١) ذكر الشيخُ عبدُ العزيزِ الزَّيرِ حَفِظهُ اللهُ فِي ترجمتِهِ قَال: «كان الشيخُ ﵀ يَنوي الرَّحيلَ إلى الهندِ؛ لِدِراسةِ الحديثِ هُنَاك، فَلَمَّا وصلَ إلى قَطر؛ وَجَدَ الشيخَ مُحَمدَ بِنَ مَانِعٍ ﵀ بِهَا، وكانَ مُتَضَلِّعًا مِنْ عِلْمِ الحدِيثِ؛ فَآثَرَ الجلُوسَ عِنْدَهُ. أفادَهُ الشيخُ نَاصرُ بنُ حمدِ الرَّاشدِ وَفَّقَهُ اللهُ» تَوفيقُ الرَّحمنِ (١/١٧) .
1 / 5
١- الشَّيخُ عَبْدُ العَزيزِ الخيَّالِ ﵀، الَّذِي تَعَلَّمَ عَلى يَدَيْهِ القُرْآنَ الكَرِيمَ وَأَتَمَّ حِفْظَهُ.
٢- الشيخُ عبدُ اللهِ بنِ عبدِ اللَّطيفِ مُفْتي الدِّيارِ السُّعودِيةِ ﵀ قرأَ عَليه كثيرًا، لا سِيَّمَا في علم العَقِيدةِ.
٣- الشَّيخُ مُحَمَّدُ بِنُ عُبْدُ الَّلطِيفِ آلِ الشَّيخِ ﵀، الذي دَرَسَ عَلَيْهِ كِتَابَ التَّوحِيدِ، والعَقِيدَةَ الوَاسِطِيَّةِ، وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ العَقِيدَةِ السَّلَفِيَّةِ.
٤- سَمَاحَةُ الشَّيخِ مُحَمَّدِ بِنِ إِبْرَاهِيمِ آلِ الشَّيخِ مُفْتِي الممْلَكَةِ السَّابِقِ ﵀ الَّذي تَلقَّى مِنْهُ دُرُوسًَا في التَّوْحِيدِ والفِقْهِ وغَيْرِهَا مِنْ الفُنُونِ.
٥- الشَّيخُ سَعْدُ بِنُ حَمْدِ بِنِ عَتِيقٍ ﵀ الَّذي تَلقَّى مِنْهُ دُرُوسًَا فِي التَّفْسِيرِ والحدِيثِ وَغَيْرِهِمَا.
وكَانَ قَدْ أَجَازَهُ بِمَا رَوَاهُ مِنْ كُتُبِ الحدِيْثِ: كَالصَّحِيْحَيْنِ، وَالسُّنَنِ الأَرْبَعَةِ، ومُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَالموَطَّإِ لِلإِمَامِ مَالِكٍ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الحدِيْثِ المصَنَّفَةِ، وَكَذَا أَجَازَهُ فِي التَّفْسِيرِ والفِقْهِ وبِمُصَنَّفَاتِ شَيْخِ الإسْلامِ ابِنِ تَيْمِيَّةَ وَابِنِ قَيِّمِ الجوْزِيَّةَ ﵏ وغَيْرِهَا مِنْ الكُتُبِ المصَنَّفَةِ.
٦- الشَّيخُ عَبْدُ اللهِ بِنِ عَبْدُ العَزيزِ العَنْقَرِيِّ ﵀ الذي تَلقَّى عَلى يَدَيْهِ شَيْئًَا مِنْ الحدِيْثِ وَغَيْرِهِ مِنْ فُنُونِ العِلْمِ. وقَدْ أَجَازَهُ بِمَا رَوَاهُ مِنْ كُتُبِ الحدِيْثِ والتَّفْسِيرِ والفِقْهِ وغَيْرِهَا مِنْ المصَنَّفَاتِ، وأَجَازَهُ بِالرِّوَايَةِ لِمَذْهَبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ ﵀ وبِالرِّوَايَةِ لمصَنَّفَاتِ شَيْخِ الإسْلامِ ابِنِ تَيْمِيَّةَ وَابِنِ قَيِّمِ الجوْزِيَّةَ ﵏، وَبِجَمِيعِ مَا أَجَازَهُ بِهِ شُيُوخُهُ وَتَلَقَّاهُ عَنْهُمُ رِوَايَةً.
٧- الشَّيخُ حَمَدُ بِنُ فَارِسٍ ﵀ أَخَذَ عَنْهُ فِي الفِقْهِ والنَّحْوِ.
٨- الشَّيخُ مُحَمَّدُ بِنُ فَيْصَلَ ﵀ وهُوَ عَمُّهُ الَّذي تَلقَّى عَلى يَدَيْهِ شَيْئًَا مِنْ الحدِيْثِ وَغَيْرِهِ مِنْ الفُنُونِ.
٩- الشَّيخُ نَاصِرُ بِنُ نَاصِرِ بِنِ مُحَمَّدِ بِنِ نَاصِرِ ﵀ وهُوَ جَدُّهُ لِأُمِّهِ الَّذي دَرَسَ عَلَيْهِ الأُصُوَلَ الثَّلاثَةَ، وَسِيْرَةَ الرَّسُولِ ﷺ.
١٠- الشَّيخُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدُ العَزيزِ بِنِ مَانِعٍ ﵀.
1 / 6
١١- الشَّيخُ عِيْسَى بِنِ عَكَّاسٍِ ﵀.
١٢- الشَّيخُ عَبْدُ العَزِيزِ بِنُ بِشْرٍ ﵀، وَغَيْرِهِم.
* صفاته الخَلْقِيَّة والخُلُقِيَّة:
فَالخَلْقِيةُ: كان الشَّيخُ ﵀ أَبْيَضَ، وَكَانَ بَيَاضُهُ مُشْرَبًا بِحُمْرَةٍ قَلِيلًا، مُتَوسِّطَ الطُّوْلِ، وِيَمِيلُ إِلى الطُّولِ قَلِيلًا، جَمِيلَ الوَجْهِ، حَسَنَ المنْظَرِ، ذَا لِحْيةٍِ كَثَّةٍ، رِبْعَةٍ بَيْنَ الرِّجَالِ.
وَالخُلُقِيةُ: كاَنَ ﵀ ذَا خُلُقٍ رَفِيعٍ كَرِيمًا، لَيِّنَ الجَانِبِ، سَهْلَ المعَامَلَةِ، بَشُوشًا مَعْ النَّاسِ جَمِيْعًَا، ولا صَخَّابًَا، وَلا يَغْضَبُ إِلا إِذَا انْتُهِكَتْ مَحَارِمُ اللهِ، وَتُعُدِّيَتْ حُدُودَهُ، وَكانَ لا تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لائِمٍ، يَتَوخَّى العَدْلَ وَلا يَأْبَاهُ، وَيُجَافِي الظُّلْمَ وَلا يَرْضَاهُ، مُتَواضِعًَا زَاهِدًَا فِي حُطَامِ الدُّنْيَا، رَاغِبًَا فِي الدَّارِ الآخِرَةِ؛ فَرَحِمَهُ اللهُ وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُ.
* زُهْدُهُ وَوَرَعُهُ وَعِبَادَتُهُ:
كاَنَ الشَّيخُ ﵀ مُعْرِضًَا عَنْ الدُّنْيَا وَعَنْ حُطَامِهَا الزَّائِل ِوَمَظْهَرِهَا الخَادِعِ؛ فَتُوُفِّيَ.
﵀ ولَمْ يُخْلِفْ مُلْكًَا، أَوْ تِجَارَةً أَوْ مَالًا كَثِيرًَا، وَمِنْ صُوَرِ عُزُوفِهِ عَنْ الدُّنْيَا.
مَا ذَكَرَهُ أَحَدُ تَلامِذَتِهِ: أَنَّهُ ذَاتَ مَرَّةٍ أَحْيَا قِطْعَةَ أَرْضٍِ، وَقَامَ بِزِرَاعَتِهَا، وَحَفَرَ بِئْرًا بِهَا، وبَنَى فِيْهَا مَسْجِدًَا، وَزَرَعَ زَرْعًَا يَسِيرًَا؛ فَلَمَّا رَأَى تَلمِيذُهُ ابِنُ عَبِدِ الوَهَّابِ عَمَلَ الشَّيْخِ، أَخْبَرَهُ بِأَنَّهَا سَتَصْرِفُهُ عَنْ أَمْرِ الآخِرَةِ؛ فَقَالَ الشَّيخُ ﵀: «أَنَا أَحْيَيْتُ هَذِهِ الأَرْضَ وَبَنَيْتُ المسْجِدَ، وَحَفَرْتُ البِئْرَ؛ لِأَجْلِ إِذَا مَرَّ المارَّةُ مِنْ أَهْلِ الإبْلِ وَغَيْرِهِم، أَنْ يُصَلُّوا فِيْهِ؛ فَيَكُونُ لَهُم عَوْنًا عَلى أَدَاءِ الصَّلاةِ، أَوْ كَلامًَا نَحْوًا مِنْ هَذا ثُمَّ قَامَ الشَّيخُ ﵀ وَقَدَّمَهَا لابِنِ عَيْشَانِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ المدَي وَيُحَافِظُ عَلى المسْجِدِ» .
وَلَمَّا كَتَبَ أَحَدُهُم تَرْجَمَةً بِسِيرَتِهِ الذَّاتِيَّةِ، وَعَرَضَهَا عَلَيْهِ، بَكَى، وَفَاضَتْ عَيْنَاهُ بِالدُّمُوعِ؛ فَكَتَبَ عَلَيْهَا: «اللهُمَّ اجْعَلْنِي أَحْسَنَ مِمَّا يَظُنَّونَ، وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا يَقُولُونَ» .
وَكَانَ ﵀ جُلُّ وَقْتِهِ وَمُعْظَمُهُ إِمَّا فِي صَلاةٍ وَعِبَادَةٍ، وَخَلْوَةٍ مَعْ رَبِّهِ ﷿ يِسْتَغْفِرُ فِيْهَا ذُنُوبَهُ، وَيَسْأَلُهُ مِنْ خَيْرَيْ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، وَإِمَّا مَعْ تَلامِيذِهِ يُعَلِّمُهُمُ أُمُورَ دِيْنِهِم وَدُنْيَاهُمُ.
1 / 7
وَكَانَ الشَّيخُ ﵀ لا يَأْخُذُ مِنْ رَاتِبِهِ شَيْئًَا، وَلا يَسْتَلِمَهُ، بَلْ يَقُومُ عَنْهُ وَكِيْلُهُ بِأَخْذِهِ، وِصَرْفِهِ عَلى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ مِنْ المسَاكِيْنِ وَالأَيْتَامِ وَالأَرَامِلِ.
* أعماله ومناصبه:
لمَّا تَلقَّى الشَّيخُ ﵀ العِلْمَ عَلى يَدِ كَثِيرٍ مِنْ العُلَمَاءِ؛ أَهَّلَهُ ذلك لِأَنْ يَتَقَلَّدَ المنَاصِبَ؛ فوُلِّيَ القَضَاءَ؛ لِلفَصْلِ بَيْنَ الخُصُومِ، وَإِرْشَادِ النَّاسَ وَتَوجِيْهِهِمْ؛ فأُرْسِلَ إِلى تُهَامَةَ وَالحِجَازَ مُعَلِّمًا وَوَاعِظًَا وَمُوجِّهًَا، مَعْ غَيْرِهِ مِنْ المشَايِخِ.
فعُيِّنَ قَاضِيًَا فِي الصُّبَيْخَةِ (تَثْلِيْث)، وَفِي أَبْهَا، وَفِي القَرْيةِ العُلْيَا، وَفِي تُرَبَةَ، وَتَرَدَّدَ بَيْنَ هَذِهِ المنَاطِقَ وَغَيْرِهَا، وَكَانَ الشَّيخُ ﵀ فِي كُلِّ بَلَدٍ مِنْ هَذِهِ البِلادِ يَدْعُو إِلى التَّوْحِيْدِ، وَإِلى الإلْتِزَامِ بِشَرْعِ اللهِ وَحْدَهُ، وَكَانَ أَوَّلَ مَا يَبْتَدِئُ فِي تَعْلِيْمِهِمِ: كِتَابَ اللهِ، ثُمَّ عَقِيدَةَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلالِ كِتَابِ التَّوْحِيْدِ، وَكَشْفِ الشُّبُهَاتِ، وَالأُصُولِ الثَّلاثَةِ، وَالقَوَاعِدِ الأَرْبَعَةِ لِلشَّيْخِ مُحَمَّدِ بِنِ عَبْدِ الوَهَّابِ ﵀.
إِلى أَنْ آَلَ بِهِ المطَافُ إِلى قَضَاءِ الجَوْفِ حِيْنَ قَالَ لَهُ الملِكُ عَبْدُ العَزِيزِ ﵀: «إِنِّي سَأُرْسِلُكَ إِلى مِكَانٍ بَعِيْدٍِ، وِلَكِنْ سَتَجِدُ فِيْهِ دَعْوَةً بِإِذْنِ اللهِ» فَرَحَلَ إِلى هُنَاكَ فِي آخِرِ شَعْبَانَ مِنْ سَنَةِ ١٣٦٢هـ وَوَصَلَ فِي أَولِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَكَانَ فِي وُصُولِهِ إِلى تِلْكَ البِلادِ بُزُوغُ شَمْسِ الخَيْرِ وَالعِلْمِ وَالتَّوْحِيْدِ، وَهَدْمِ واضْمِحْلالِ دَيَاجِيْرِ الجَهْلِ وِالشَّرْكِ وَالتَّنْدِيدِ؛ فَأَقَامَ بِهَا قُرَابَةَ خَمْسَةَ عَشْرَ عَامًَا مُعَلِّمًَا، وَمُوجِّهًَا، وَمُرْشِدًَا، وَدَاعِيًَا إِلى اللهِ عَلى بَصِيْرَةٍِ.
* تلاميذه:
تَلقَّى عَنْ الشَّيخِ ﵀ طُلَّابٌ كُثُرٌ، وَدَرَسُوا عَلَيْهِ مُصَنَّفَاتِ العُلَمَاءِ، وَكَانَ مِنْ أَكْثَرِ مَنْ لَازَمَهُ وَتَلقَّى عَنْهُ:
١- الشيخُ العالم ُإبراهيمُ بنُ سُلَيمانِ الرَّاشدِ ﵀.
٢- الشيخُ العالم ُعبدُ الرَّحمنِ بنُ سَعدِ بنِ يحيى ﵀.
٣- الشيخُ القاضِي محمَّدُ بنُ عبدِ العزيزِ المهيزِعِ ﵀.
1 / 8
٤- الشَّيخُ العالم نَاصِرُ بِنُ حَمَدِ الرَّاشِدِ ﵀.
٥- الشَّيخُ القاضي سَعْدُ بِنُ مُحَمَّدِ بِنِ فَيْصَلَ آلَ مُبَارَكِ ﵀.
٦- الشَّيخُ القاضي عَبْدُ اللهِ بِنُ عَبْدِ العَزِيزِ آلِ عَبْدِ الوَهَّابِ ﵀.
٧- الشَّيخُ القاضِي حُمُودُ بِنُ مَتْرُوكِ البِلِيْهِدِ - حَفِظَهُ اللهُ -.
وَغَيْرِهِمُ الكَثِيرِ مِمَّنْ تَقَلَّدَ مَنَاصِبَ فِي القَضَاءِ أَوْ الشُّوْرَى أَوْ التَّعْلِيْمِ؛ فَرَحِمَ اللهُ مَنْ فِي بَاطِنِ الأَرْضِ، وَبَارَكَ وَنفَعَ وَخَتَمَ بِخَيْرٍ لِمَنْ فَوْقَهَا.
* مصنفاته:
لَقَدْ أَثْرَى الشَّيخُ ﵀ المكْتَبَةَ الإسْلامِيَّةَ، بِمُصَنَّفَاتِهِ الزَّاخِرَةِ؛ فَتَرَكَ لَنَا العَدِيْدَ مِنْ المؤَلَّفَاتِ فِي فُنُونِ العِلْمِ فِي التَّفْسِيرِ، والحدِيْثِ، والعَقِيدَةِ، والفِقْهِ، والفَرَائِضِ، وَالنَّحْوِ، والرَّقَائِقِ وغَيْرِهَا؛ وَهُو يُعدُّ مِنْ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ نَجْدٍ تَصْنِيْفًَا وَتَأْلِيْفًَا.
وَلَمَّا أَرْسَلَ المؤَلِّفُ ﵀ كِتَابَهُ: «خُلاصَةُ الكَلامِ شَرْحُ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ» لِلشَّيخِ العَلامَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنَ السِّعْدِيِّ ﵀، أَرْسَلَ لَهُ رِسَالةً خَاصَّةً؛ مُثْنِيًَا عَلى تَصَانِيْفِهِ، وَيَقُولُ فِيْها: «هَدِيَّتُكُمُ لِمُحِبِّكُمِ «خُلاصَةُ الكَلامِ شَرْحُ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ» وَصَلَ وَسُرِرْتُ بِهِ، وَسَأَلْتُ الموْلَى أَنْ يُضَاعِفَ لَكُمُ الأَجْرَ؛ بِمَا أَبْدَيِتُمُوهُ فِيْهِ مِنْ الفَوَائِدِ الجَلِيْلَةِ، وَالمعَانِي الكَثِيْرَةِ، وَسَعْيِكُم فِي نَشْرِهِ. لَازِلْتُمُ تُخْرِجُونَ أَمْثَالَهُ مِنْ الكُتُبِ العَامِّ نَفْعُهَا، وَالعَظِيْمِ وَقْعُهَا» أهـ.
وَهَا هُوَ الشَّيْخُ عَبْدُ المِحْسِنِ أَبَا بِطَيْنِ ﵀ يَقُولُ عَنْ سَائِرِ تَصَانِيْفِ الشَّيْخِ فَيْصَلَ ﵀: «وَقَدْ أَلَّفَ كُتُبًَا كَثِيْرَةً، صَارَ لَهَا رَوَاجٌ فِي جَمِيْعِ أَقْطَارِ الممْلَكَةِ العَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ» .
وَبَعْدَ هَذَا، وَقَدْ تَاقَتْ نَفْسُكَ لِمَعْرِفَةِ تَصَانِيْفِ الشَّيْخِ؛ فَهَا هِيَ مُصَنَّفَاتِهِ قَيْدَ نَاظِرَيْكَ، وَبَيْنَ يَدَيْكَ؛ مُبَيِّنًَا المطْبُوعَ مِنْهَا وَالمخْطُوُطَ بِاخْتِصَارٍ:
وَاعْلَمْ - عَلَّمَنِي اللهُ وَإِيَّاكَ - أَنَّ كُتُبَ الشَّيخِ ﵀ لا تَعْدُو أَحَدَ هَذِهِ الأنْوَاعِ:
النَّوعُ الأَولُ: الشُّرُوحُ المخْتَصَرَةُ عَلى المتُوُنِ.
النَّوعُ الثَّانِي: الشُّرُوحُ المطوَّلةُ عَلى المتُوُنِ.
1 / 9
النَّوعُ الثَّالِثُ: اختِصَارُهُ لِكَثِيرٍ مِنْ الكُتُبِ المطوَّلةِ.
النَّوعُ الرَّابِعُ: التَّأْلِيفُ فِي الفُنُونِ تَأْصِيْلًا وَابْتِدَاءً.
* فِي العَقِيدَةِ:
١- القَصْدُ السَّدِيدُ شَرْحُ كِتَابِ التَّوْحِيدِ: طُبِعَ فِي مُجَلَّدٍِ عَنْ دَارِ الصُّمَيْعِي بِالرِّيَاضِ، بِتَحْقِيقِ الشَّيخِ عَبْدِ الإلَهِ الشَّايِعِ وَفَّقَهُ اللهُ.
٢- التَّعْلِيقَاتُ السَّنِيَّةُ عَلى العَقِيدَةِ الوَاسِطِيَّةِ: طُبِعَ فِي مُجَلَّدٍِ عَنْ دَارِ الصُّمَيْعِي بِالرِّيَاضِ، بِتَحْقِيقِ الشَّيخِ عَبْدِ الإلَهِ الشَّايِعِ وَفَّقَهُ اللهُ.
* فِي التَّفْسِيرِ:
٣- تَوْفُيقُ الرَّحْمَنِ فِي دُرُوسِ القُرْآنِ: طُبِعَ فِي أَرْبَعَةِ مُجَلَّدَاتٍ عَنْ دَارِ العَاصِمَةِ بِالرِّيَاضِ، باعْتِنَاءِ الشَّيخِ عَبْدِ العَزيزِ الزَّيْرِ حَفِظَهُ اللهُ.
٤- القَوْلُ فِي الكُرَّةِ الجَسِيْمَةِ الموَافِقُ لِلفِطْرَةِ السَّلِيْمَةِ: مَخْطُوطٌ فِي مُجَلَّدٍِ، وَمِنْهُ مَخْطُوطُةٌ فِي مَكْتَبَةِ الملِكِ فَهْدٍ.
* ِفي الحدِيْثِ:
٥- لَذَّةُ القَارِي مُخْتَصَرُ فَتْحِ البَارِي: مَخْطُوطٌ فِي ثَمَانِيَةِ مُجَلَّدَاتٍ، وهُوَ مَفْقُودٌ.
٦- نَقْعُ الأُوَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيْثَ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ: مَخْطُوطٌ، وَهُوَ الشَّرْحُ الكَبِيرُ عَلى عُمْدَةِ الأَحْكَامِ، خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ كِبَارٍِ، فِي إِحْدَى عَشْرَةَ مُجَلَّدَةٍ، وَمِنْهُ مَخْطُوطَةٌ كَامِلَةٌ بِخَطِّ الشَّيخِ فَيْصَلَ ﵀ فِي مَكْتَبَةِ الملِكِ فَهْدٍ بِالرِّيَاضِ.
٧- أَقوَالُ العُلَمَاءِ الأَعْلامِ عَلى أَحَادِيْثَ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ: مَخْطُوطٌ فِي مُجَلَّدَيْنِ ضَخْمَيْنِ، فِي سَبْعَةِ مَلازِمٍ، بِدَارَةِ الملِكِ عَبْدِ العَزِيزِ، وَمَكْتَبَةِ الشَّيخِ عَبْدِ المِحْسِنِ أَبَا بِطَيْنِ وَهُوَ مُخْتَصَرٌ عَنْ سَابِقِهِ.
٨- خُلاصَةُ الكَلامِ شَرْحُ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ: طُبِعَ فِي مُجَلَّدٍ بمكتبة الرُّشْدِ بِالرِّيَاضِ، وَهُوَ اخْتِصَارٌ لِشَرْحَيْهِ عَلى العُمْدَةِ؛ الكَبِيرِ وَالمتَوَسِّطِ، وَمِنْهُ مَخْطُوطُةٌ فِي مَكْتَبَةِ الملِكِ فَهْدٍ ضِمْنَ مَجْمُوعِ (زُبْدَةُ الكَلامِ) .
1 / 10
٩- مُخْتَصَرُ الكَلامِ شَرْحِ بُلُوغِ المَرَامِ: طُبِعَ عَنْ دَارِ كُنُوزِ إشْبِيلْيَا، وَمِنْهُ مَخْطُوطُةٌ فِي مَكْتَبَةِ الملِكِ فَهْدٍ ضِمْنَ مَجْمُوعِ (زُبْدَةُ الكَلامِ) .
١٠- بُسْتَانُ الأَحْبَارِ بِاخْتِصَارِ نَيْلِ الأَوْطَارِ: طُبِعَ عَنْ دَارِ كُنُوزِ إشْبِيلْيَا فِي مُجَلَّدَيْنِ.
١١- تِجَارَةُ المؤْمِنِيْنَ فِي المُرَابَحَةِ مَعْ رَبِّ العَالَمِيْنَ: طُبِعَ فِي مُجَلَّدٍ مَرَّتَيْنِ؛ بِدِمَشْقٍ أُولَاهُمَا عَلى نَفَقَةِ الأَمِيْرِ عَبْدِالرَّحْمَنِ السِّدِيْرِيِّ عَام ١٣٧٢هـ، وَآخِرْهُمَا عَلى نَفَقَةِ تِلْمِيذِهِ الشَّيخِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بِنِ عَطَا الشَّايعِ عَام ١٤٠٤هـ.
١٢- تَطْرِيزُ رِيَاضِ الصَّالِحِيْن: طُبِعَ عَنْ دَارِ العَاصِمَةَ بِالرِّيَاضِ، بِتَحْقِيقِ الشَّيخِ عَبْدِ العَزيزِ الزَّيْرِ حَفِظَهُ اللهُ.
١٣- مَحَاسِنُ الدِّيْنِ بِشَرْحِ الأَرْبَعِينَ (النَّوَوِيَّة): طُبِعَ عَنْ دَارِ إِشْبِيلْيَا بِالرِّيَاضِ.
١٤- تَعْلِيمُ الأَحَبِّ أَحَادِيثَ النَّوَوِيِّ وَابْنِ رَجَبِ: طُبِعَ ضِمْنَ (المُخْتَصَرَاتُ النَّافِعَةُ)، وَمِنْهُ مَخْطُوطُةٌ فِي مَكْتَبَةِ الملِكِ فَهْدٍ ضِمْنَ مَجْمُوعِ (زُبْدَةُ الكَلامِ) .
١٥- نَصِيْحَةُ المُسْلِمِيْنَ = نَصِيْحَةٌ دِيْنِيَّةٌ: طُبِعَتْ بِتَحْقِيقِ الشَّيخِ عَبْدِ العَزيزِ الزَّيْرِ حَفِظَهُ اللهُ.
١٦- وَصِيَّةٌ لِطَلَبَةِ العِلْمِ: طُبِعَتْ بِتَحْقِيقِ الشَّيخِ عَبْدِ العَزيزِ الزَّيْرِ حَفِظَهُ اللهُ.
١٧- غِذاءُ القُلُوبِ وَمُفَرِّجُ الكُرُوبِ: وَقَدْ طُبِعَ قَدِيْمًا ضِمْنَ مَجْموعِ ... (المخْتَصَراتِ النَّافِعَةِ)، وَمِنْهُ مَخْطُوطُةٌ فِي مَكْتَبَةِ الملِكِ فَهْدٍ ضِمْنَ مَجْموعِ (زُبْدَةُ الكَلامِ) .
* فِي الفِقْهِ وأُصُولِهِ:
١٨- مَقَامُ الرَّشَادِ بَيْنَ التَّقْلِيْدِ والاجْتِهَادِ: وهُوَ كِتَابُنَا هَذَا.
١٩- كَلِمَاتُ السَّدَادِ عَلى مَتْنِ الزَّادِ (المسْتَقْنَعِ): طُبِعَ فِي مُجَلَّدٍ عدة مرات عَنْ مَكْتَبَةِ النَّهْضَةِ، وصدر مؤخَّرًا محققًا عن دار اشبيليا.
٢٠- المرْتَعُ المشْبِعُ شَرْحُ مَوَاضِعَ مِنْ الرَّوْضِ المرْبِعِ: مَخْطُوطٌ فِي أَرْبَعَةِ أَجْزَاءٍ، وَسِتَّةِ مُجَلَّدَاتٍ كَبِيرِةٍ. وَمِنْهُ مَخْطُوطُةٌ فِي مَكْتَبَةِ الملِكِ فَهْدٍ، وَعَنْهَا مُصَوَّرةٌ بِدَارَةِ الملِكِ عَبْدِ العَزِيزِ، وَسَيُطْبَعُ قَرِيْبًَا بِعناية الشَّيخِ عبد العزيز القاسم حفظه الله.
1 / 11
٢١- الوَابِلُ المُمْرِعُ عَلى الرَّوْضِ المرْبِعِ: مَخْطُوطٌ غَيْرُ مُكْتَمِلٍ، مِنْهُ نُسْخَةٌ فِي مَكْتَبَةِ الملِكِ فَهْدٍ إِلى كِتَابِ الجَنَائِزِ، وَعَنْهَا مَصَوَّرةٌ بِدَارَةِ الملِكِ عَبْدِ العَزِيزِ.
٢٢- مَجْمَعُ الجوَادِ حَاشِيةُ شَرْحِ الزَّادِ: مَخْطُوطٌ غَيْرُ مُكْتَمِلٍ، وَهُوَ شَرْحٌ كَبِيرٌ مُطوَّلٌ عَلى «الرَّوْضِ المُرْبِعِ» وَذَلِك أَنَّ الشَّيخَ ﵀ فِي الشَّرْحَيْنِ السَّابِقَيْنِ انْتَقَى مَسَائِلَ خِلافِيَةً مُعَيَّنةً؛ فَشَرَحَهَا، أمَّا فِي هَذَا المُطَوَّلِ؛ فَقَدَ وَجَّهَ عِنَايَتَهُ إِلى غَالِبِ المسَائِلِ الخِلافِيَّةِ فِيْهِ. وَلَهُ: زُبْدةُ المرَادِ فِهْرْسِ مَجْمَعِ الجَوادِ: مَخْطُوطٌ، فِي تِسْعٍِ وَعِشْرِينَ وَرَقةً، بِخَطِّ الشَّيخِ إِسَمْاعِيلِ البِلالِ أَحَدُ تَلامِذَةِ الشَّيخِ، وَكانَ المخطُوطُ لَدَيْهِ ﵀، وَعَنْهُ مَصَوَّرةٌ بِدَارَةِ الملِكِ عَبْدِ العَزِيزِ.
٢٣- القَوْلُ الصَّائِبُ فِي حُكْمِ بَيْعِ الَّلحْمِ بِالتَّمْرِ الغَائِبِ: مَخْطُوطٌ فِي مَكْتَبَةِ الملِكِ
فَهْدٍ.
٢٤- الغُرَرُ النَّقِيَةُ شَرْحُ الدُّرَرِ البَهِيَّةِ: طُبِعَتْ بِاعْتِنَاءِ الشَّيخِ مُحَمَّدِ بِنِ حَسَنِ آل مُبَارَكِ وَفَّقَهُ اللهُ وَسَدَّدَهُ، عَنْ دَارِ إِشْبِيلْيَا.
* فِي الفَرَائِضِ:
٢٥- الحُجَجُ القَاطِعَةِ فِي الموَارِيثِ الوَاقِعَةِ: طُبِعَتْ بِاعْتِنَاءِ الشَّيخِ مُحَمَّدِ بِنِ حَسَنِ آل مُبَارَك وَفَّقَهُ اللهُ وَسَدَّدَهُ. عَنْ دَارِ إِشْبِيلْيَا.
٢٦- السَّبِيكَةُ الذَّهَبِيَّةُ عَلى مَتْنِ الرَّحَبِيَّةِ: طُبِعَتْ بِاعْتِنَاءِ الشَّيخِ مُحَمَّدِ بِنِ حَسَنِ آل مُبَارَكِ وَفَّقَهُ اللهُ وَسَدَّدَهُ. عَنْ دَارِ إِشْبِيلْيَا.
* فِي النَّحْو:
٢٧- صِلَةُ الأَحْبَابِ شَرْحُ مُلْحَةَ الإعْرَابِ: مَفْقُودٌ.
٢٨- مَفَاتِيحُ العَرَبِيَّةِ عَلى مَتْنِ الآجُرُّومِيَّةِ: مطبوعٌ - عن دار الصميعي - بِتَحْقِيقِ الشَّيخِ عَبْدِ العَزيزِ بِنِ سَعْدِ الدّغِيثِر وَفَّقَهُ اللهُ وسَدَّدَهُ.
٢٩- لُبَابُ الإعْرَابِ فِي تَيْسِيرِ عِلْمِ النَّحْوِ لَعَامَّةِ الطُّلابِ: طُبِعَتْ بِتَحْقِيقِ الشَّيخِ مُحَمَّدِ بِنِ حَسَنِ آل مُبَارَكِ وَفَّقَهُ اللهُ وَسَدَّدَهُ.
1 / 12
* وَفَاته:
تُوُفِّيَ الشَّيخُ ﵀ عَنْ عُمُرٍ نَاهَزَ ٦٣هـ سَنَةً، قَضَاهَا فِي الدَّعْوَةِ إِلى اللهِ تَعَالى، وَإِلى تَعْلِيمِ النَّاسَ أُمُورَ دِيْنِهِم.
واخْتَلَفَ المتَرْجِمُونَ فِي تَحْدِيدِ يَومِ وَسَنَةِ وَفاتِهِ؛ فَذَكَرَ بَعْضُهُم أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ ١٣٧٧هـ فِي العَاشِرِ مِنْ شَهْرِ ذِي القِعْدَةِ، وَقِيْلَ فِي السَّادِسِ عَشَرَ، وَقِيْلَ فِي السَّابِعِ عَشَرَ.
وَالصَّوابُ أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي الثُّلُثِ الأَخِيْرِ مِنْ لَيْلَةِ الجمْعَةِ الموَافِقِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ ذِي القِعْدَةِ عَام ١٣٧٦هـ. واللُه أَعْلَمُ.
* عَقِبَهُ:
لم يُرْزَق الشَّيخُ ﵀ ْ بِذُكُورٍ، وَإِنَّمَا وُهِبَ سِتًَّا مِنْ البَنَاتِ، جَعَلَهُنَّ اللهُ مِنْ المؤمِنَاتِ الصَّالِحَاتِ. وَصَلَّى اللهُ عَلى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
الحدِيثُ عَنْ الرِّسَالةِ
- الموضُوعُ:
مَوضُوعُ الرِّسالةِ هو التَّقليدُ والاجتهادُ، وهُمَا مَوْضوعانِ يَخْتَصَّانِ بِعِلْمِ أُصُولِ الفِقْهِ.
وهُمَا مِنْ المواضِيعِ الهامَّةِ جِدًا لِكلِّ مُفْتٍ وفَقِيهٍ، سِيَّما مَعْ مَا يَمُرُّ مِنْ ضَرُوريَّاتٍ يُمْلِيها الواقعُ في بِلادِ المسلِمِينَ، أوْ فِي أَحْوالِ النَّاسِ ومَعَاشِهِم مِنْ مَسَائِلَ لَيْسَ فِيْها نَصٌّ شَرْعِيٌّ؛ لِذَا اعتَنَى بِهِ المتقَدِّمونَ؛ ومِنْهُم الأئمةُ الأَربَعةُ، وهُم الفُقَهاءُ المجتَهِدُونَ في أَزْهَى عُصُورِ الفِقْهِ الِإسْلَامِيِّ.
1 / 13
- نِسْبَتُهَا:
نِسْبَتُها للمؤلِّفِ ثَابِتةٌ والحمدُ للهِ؛ فَقَدْ أَثْبَتَهَا لَهُ كُلُّ مَنْ تَرْجَمَ لِلشَّيخِ، بَلْه أَنَّها بِخطِّهِ ومَكْتوبٌ اسمُهُ عَلى طُرَّتِهَا (١)
- النُّسَخُ:
أمَّا المطْبُوعَةُ؛ فَفِي بِدَايةِ اهتِمَامِي بِالرِّسَالةِ، كُنْتُ قَدْ اعْتَنَيْتُ بِهَا مِنْ خِلالِ طَبْعَةِ ... (المجْمُوعَةُ الجَلِيْلَةُ) والَّتِي تَضُمُّ الرَّسائلَ التَّالِية:
الأُوْلَى: مُخْتَصَرُ الكَلامِ شَرْحُ بُلُوغِ المَرَامِ، وطُبِعَتْ مُفْرَدةً عَنْ دَارِ كُنُوزِ إشْبِيلْيَا بِالرِّيَاضِ.
الثانية: مَحَاسِنُ الدِّيْنِ بِشَرْحِ الأَرْبَعِينَ (النَّوَوِيَّة) . وطُبِعَتْ عَنْ دَارِ كُنُوزِ إشْبِيلْيَا.
الثالثة: مَقَامُ الرَّشَادِ بَيْنَ التَّقْلِيْدِ والاجْتِهَادِ. وَهِي الَّتي قَيْدَ نَاظِرَيْكَ.
وبَيْنَا كُنْتُ مُشْتَغِلًا بِالاعتِنَاءِ بِهَا، أَوْقَفنِي أَحَدُ الإِخْوَةِ الفُضَلاءِ على طَبْعةٍ مُفرَدةٍ لَهَا عَنْ دَارِ السَّلفِ بِالرِّيَاضِ؛ بِاعتِنَاءِ الشَّيخِ رَاشدَ الغُفَيْلِي وَفَّقهُ اللهُ.
فَلمَّا وَقَفْتُ عَلَيْهَا تَرَكْتُ العَمَلَ بِإكْمَالِهَا؛ لِاعتِقَادِي أَنِّي قَدْ سُبِقتُ بِذَلكَ؛ فَتَوَجَّهْتُ لِلمَشَارِيعِ العِلْمِيَّةِ الأُخْرَى، سِيَّمَا خُلاصَةُ الكَلامِ عَلى عُمْدةِ الأَحْكَامِ لِلشَّيخِ فَيْصَلَ ﵀ (٢) .
وبَعْدَ حِيْنٍ مِنْ الزَّمنِ قَرَأتُهَا كَامِلَةً وأَبَنْتُ بَعْضَ الأُمُورِ فِيْهَا وقَيَّدْتُهَا عَلى نُسْخَتِي؛ مِنْ سَقطٍ، أوْ تَخْرِيجٍ؛ أوْ عَزْوٍ.
وَحِينَمَا كُنْتُ أَبْحَثُ عَنْ مخَطُوطَةِ خُلاصَةُ الكَلامِ لَمْ آلُ جهدًا في البَحْثِ والتَّنْقيبِ والسُّؤالِ عَنْها مِنْ أَقْرِبَاءِ الشَّيخِ ﵀ أوْ تَلامِذَتِهِ وَمُحِبِّيهِ، حَتَّى وَقفَ السُّؤالُ عِنْدَ الشَّيخِ الفَاضلِ عَبْدِ العَزِيزِ الزَّيرِ حَفِظَهُ اللهُ وسَدَّدَ خُطَاهُ؛ فَسَألتُهُ عَنْ مَخْطُوطِ شَرْحِ العُمْدَةِ؛ فَلمْ أَظْفَر بِهِ، ثُمَّ عَرَّجتُ بِالحدِيثِ عَلى مَقَامِ الرَّشَادِ؛ فَأخْبَرَنِي بَأَنَّهُ يَقتَنِي نُسْخَةً مِنْها؛
_________
(١) انظر: مصادر ترجمته صـ (٥) .
(٢) وقد انتهيتُ من الاعتناءِ به على وَجْهٍ أسألُ الله أن يكون غيرَ مسبوقٍ بحمد الله، والفضلُ له وحدَهُ، ثمَّ للأخِ الشيخِ الفاضلِ السِّبْطِ محمد بن حسن آل مبارك وفَّقه الله؛ فقد أرسل إليَّ النسخة الخطية، والكتابُ الآن في طَوْر المقابلة النهائية؛ فالحمد لله على توفيقه.
1 / 14
فَفَرِحتُ وَرَغِبتُ بِمُصَوَّرَتِها، فَأرسَلَهَا إِليَّ مَشكُورًا مَعْ تَحْقِيقِهِ لِكِتَابِ (مَحَجَّةُ القُرُبِ في فَضْلِ العَرَبِ) للعِرَاقِي ﵀، وحِينَ وَصَلَتْنِي سَارَعتُ بِمَقَابَلَتِها عَلى طَبْعَةِ الشَّيخِ الغُفَيْلِي - وَلَمْ تَكُن عَنْ أَصْلٍ خَطِّيٍّ كَذَلِك - فَوَجَدتُ الدَّاعِي لإعَادَةِ تَحْقِيقِها مُتَحَقِّقًا؛ فَعُدْتُ عَلى مَا بَدأتُه سَابِقًا حَتَّى أَنْهَيتُهَا، وهَاهِيَ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَأَمَامَ نَاظِرَيكَ، وَالحمْدُ للهِ عَلى تَوْفِيْقِهِ أَوَّلًا وَآخِرًَا.
وأمَّا النُّسْخَةُ الخَطِّيَةُ المعْتَمَدَةُ (١) فهَاكَ وَصْفُها:
١- عِنْوَانُها كَمَا هُو مُدَوَّنٌ عَلى طُرَّتِها: «مَقَامُ الرَّشَادِ بَيْنَ التَّقْلِيدِ وَالاجْتِهَادِ» .
٢ - المُؤلِّفُ: فَيْصَلَ بِنَ عَبدِ العَزِيزِ آل مُبَارَكِ ﵀.
٣- اسْمُ النَّاسِخِ: بِخَطِّ المُؤلِّفِ.
٤- تَأْرِيخُهَا: القَرْنُ الرَّابِعُ عَشَرِ الهِجْرِي.
٥- عَدَدُ الأَوْرَاقِ: (١٣) وَرَقةً مَعْ وَرَقَةِ العِنْوانِ. وَفِي كُلِّ وَرَقَةٍ صَفْحَتَانِ، وَفِي كُلِّ صَفْحَةٍ (١٣) سَطْرًا.
٦- مَصْدَرُهَا: جَامِعَةُ الرِّيَاضِ (الملَِكِ سُعُودٍ حَالِيًَّا)، وَرَقَمُهَا: (١١٥٦)
٧- الخَطُّ: كُتِبَتْ بِخَطِّ الرُّقْعَةِ، وَتميَّزَتْ بِالتَّقْيِدَةِ؛ وَهِيَ كَلِمَةٌ تَوضَعُ فِي أَسْفَلِ الصَّفْحَةِ الأُولَى وَتَكُونُ هِي الأُوْلَى في نَصِّ الصَّفْحَةِ الثَّانِيَةِ؛ دِلَالَةً عَلى تَتَابُعِ الصَّفَحَات.
عَمَلُ المحَقِّقِ اشْتَمَلَ عَلى مَا يَلِي:
أ. ضَبْطِ النَّصِّ وشَكْلِهِ، وتَوْزِيعِ فَقراتِهِ، وتَقْسِيمِهِ عَلَى صَفحَاتِ المخطُوُطِ بِوَضْعِ أَرْقَامِ صَفحَاتِهِ بَيْنَ مَعْقُوفَتَيْن [/] .
ب. عَزْوِ الآيَاتِ القُرْآنِيَّةِ، وَجَعْلِهَا عَقِبَ الآيةِ في النَّصِّ المحقَّقِ.
_________
(١) اعتمدتُ في ضَبْطِ النَّصِ على المخطوطِ وَحْدَهُ؛ لأنها بخط المؤلِّف نفسه، ولَمْ أثُبتْ الفروقَ بين النُّسَخِ سواء ما كان من فُروقاتٍ أو تغيرٍ أو سقطٍ أو غيره؛ ولو فعلتً لطالتْ الرِّسالةُ وكَبُرَ حَجْمُها، وحُسنُ ذلك يكمن في ذلك. واللهُ أعلم.
1 / 15
ج. تَخْريجِ الأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ، والآثَارِ مِنْ مصَادِرِهَا الأَصِيْلَةِ؛ فمَا كَانَ في الصَّحِيْحَيْنِ أوْ أَحَدِهِمَا اكْتُفِيَ بِذلِكَ، ومَا عَدَاهُما تُوُسِّعَ فِيْهِ بَعْضَ الشَّيءِ، مُبَيَّنًَا حُكْمَ أَهْلِ الصِّنَاعةِ الحدِيثِيَّةِ عَلى الحدِيْثِ صِحْةً أو ضَعْفًا.
د. عَزْوِ النُّقولِ لأَصْحَابِهَا.
ومِنْ بَابِ قَولِ المصْطَفَى ﷺ: «لا يَشْكُرِ اللهَ مَنْ لا يَشْكُرِ النَّاسَ» (١)
فَالشُّكُرُ لِشَيْخِي الكَرِيمِ القَاضِي المفْضَالِ مُحَمَّدٍ بِنِ سُلَيْمَانَ آل سُلَيْمَانَ؛ الَّذِي لازَمْتُهُ قُرَابَةِ السِّتِّ سَنَواتٍ أَنْهَلُ مِنْ مَعِيْنِ عِلْمِهِ وخُلُقِهِ وفَضْلِهِ، حَفِظَهُ اللهُ وأَمَدَّ فِي عُمُرِهِ، عَلى تَقْدِيمهِ لِلرِّسَالَةِ. وكَذَا الشَّكُرُ مَوْصُولٌ لِلشَّيخِ عَبدِ العَزِيزِ الزَّيرِ الَّذِي تَفَضَّلَ وتَكَرَّمَ عَليَّ بِإرْسَالِهِ النُّسْخَةَ الخَطِّيةَ؛ فَجَزَاهُ اللهُ خَيْرًَا.
وكَذا كُلِّ مَنْ أَعَانَنِي بِنُصْحٍ، أوْ فَائِدَةٍ، أوْ دِلَالَةً، أَسألُ اللهَ العَلِيَّ القَدِيرِ أَنْ يُثِيبَهُم خَيْرًا كَثِيرًَا؛ فَهُو سُبْحَانَهُ خَيرَ مَسْؤُولٍ، وَالحمْدُ للهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتِ.
***
_________
(١) أخرجه أبو داود: كتاب الأدب، باب في شكر المعروف، حديث (٤٨١١)، والترمذي: كتاب البر والصلة عن رسول الله، باب ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك، حديث (١٩٥٤) وقال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيح. وأحمد في مسنده برقم (٧٨٧٩) قال الهيثمي في المجمع (٨/١٨٠): «رواه كله أحمد والطبراني، ورجال أحمد ثقات» وصححه الشيخ العلامة ناصر الدين الألباني ﵀ في الأدب المفرد (٨٣) برقم (٢١٨) .
قال المنذري ﵀: رُوِيَ هذا الحديث، برفع الله، وبرفع الناس، وروي أيضًا: بنصبهما، وبرفع الله، ونصب الناس، وعكسه، أربع روايات «الترغيب والترهيب» (٢/٤٦)، وقال الحافظ الزين العراقي ﵀: «والمعروف المشهور في الرواية بنصبهما»، فيض القدير للمناوي (٦/٢٢٥)، والله أعلم.
1 / 16
[٢/] هذه نُبذَةٌ في مَعْرفةِ أُصُولِ الفِقْهِ
[والفِقْهُ] (١) هُوَ العِلْمُ بالأَحْكامِ الشَّرْعِيَّة (٢) .
قالَ النَّبيُّ ﷺ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» (٣) .
وأُصُولُ الأَدلَّةِ: الكِتَابُ، والسُّنَّةُ، والإِجْمَاعُ، وشَرْعُ مَنْ قَبْلَنا شَرْعٌ لنَا إِذَا قَصَّه اللهُ عَلَيْنا ورَسُولُهُ ولَمْ يُنْسخْ؛ لِقَولِ اللهِ تَعَالى: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: ٩٠] (٤)
وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ السَّمْنِ وَالْجُبْنِ وَالْفِرَاءِ (٥)
_________
(١) ما بين المعقوفتين زيادة يقتضيها السياق.
(٢) هذا تعريفٌ مختصرٌ للفقه، والتعريف المشهور له هو: «العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية» ومصطلح (الفِقْه) يختلف بين المتقدمين والمتأخرين. وانظر في بيان ذلك بيانًا لطيفًا في تاريخ الفقه الإسلامي لشيخنا العلامة أ. د. عمر الأشقر حفظه الله (١١: ١٧) والمدخل الفقهي العام للعلامة مصطفى الزرقا ﵀ (١/٦٥) ومعجم أصول الفقه. خالد رمضان حسن (٢١٣) .
(٣) أخرجه البخاري: كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، حديث (٧١) وغيره. ومسلم: الزكاة، باب النهي عن المسألة، حديث (٢٣٨٩) وغيره، من حديث معاوية ﵁.
(٤) يضاف للأصول الثلاثة الأولى القياس؛ لتكون أصول الأدلة الأساسية، وأما الفرعية؛ فهي: الاستحسان، والمصالح المرسلة، وسدِّ الذرائع، والعُرْف، وقول الصحابي، وشرع من قبلنا، والاستصحاب. انظر: المستصفى للغزالي (١/١٨٩)، والمدخل الفقهي العام للعلامة مصطفى الزرقا ﵀ (١/٧٣) وتيسير الوصول إلى قواعد الأصول للفوزان (١/١٠٢) وما بعدها، ومعالم في أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة للجيزاني (٦٨) .
(٥) الفِرَاء: حمار الوحش. انظر: المعجم الوسيط (٦٧٨) مادة (الفَرَأُ) وَتحفة الأحوذي (٥/٣٢٤) .
1 / 19
؛ فَقَالَ: «الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ» (١)
والسُّنَّةُ: مَا وَرَدَ عَنْ النَّبيِّ ﷺ مِنْ قَولٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ تَقْرِيرٍ (٢) .
قالَ إِمَامُ الحَرَمَيْن: «والأَحْكامُ سَبعةٌ: الوَاجبُ، والمنْدُوبُ، والمُبَاحُ، والمَحْظُورُ، والمكرُوهُ، والصَّحيحُ، والفَاسِدُ» (٣)
قَالَ: والتَّقليدُ: قَبولُ [/٣] قَوْلِ القَائِلِ بِلا حُجَّةٍ.
_________
(١) أخرجه الترمذي: كتاب اللباس، باب ما جاء في لبس الفراء، ح (١٧٢٦)، وابن ماجه: كتاب الأطعمة، باب أكل السمن والجبن، حديث (٣٣٦٧)، والحاكم في مستدركه (٤/ حديث ٧١١٥) = =والبيهقي في سننه الكبرى (٩/٣٢٠)، و(١٠/١٢) . وحسَّنَهُ الشيخ الألباني ﵀ في صحيح سنن الترمذي (٢/١٧٢٦/٢٦٧)، وصحيح سنن ابن ماجه (٣/٣٤٣٠/١٤١) والله أعلم.
(٢) تعريف السنة يقابل تعريف الحديث، وبعض أهل الحديث يُفرِّق بينها من حيث العموم والخصوص، والتعريف هنا خاص بالأصوليين؛ إذ يقتصرون في تعريفهم على ما يكون محلًا للتشريع بخلاف أهل الحديث؛ فهم يبحثون كل ما أضيف للنبي ﷺ ويضيفون الصفات الخَلْقية والخُلُقية. انظر: معالم في أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة للجيزاني (١١٨)، ومنهج النقد في علوم الحديث للدكتور نور الدين عتر نفع الله به (٢٦: ٣٠) .
(٣) متن الورقات (٤٩٧) من الجامع للمتون العلمية للشمراني، وفيه (الباطل) بدل الفاسد.
لطيفة: كثير من النسخ الخطية والمطبوعة فيها (الفاسد) بدل (الباطل) وأيًَّا كان؛ فإن جمهور الأصوليين لم يفرِّقوا بين الباطل والفاسد، سواء كان ذلك في العبادات أو في المعاملات، وأما الحنفيّة ففرَّقوا بينهما في المعاملات، وأما في العبادات فوافقوا الجمهور في عدم التفريق بين الباطل والفاسد. انظر: شرح الورقات للمحلي (٨٦) و(٩٤) تحقيق د. حسام الدين عفانه، وشرح الورقات للفوزان (٤٨)، والمدخل إلى مذهب الإمام أبي حنيفة ﵀ لشيخنا الدكتور أحمد سعيد حوى (١٥٣) . ومعجم أصول الفقه (٢١٢)، وفي ذلك يقول صاحب مراقي السعود ﵀:
والصحة القبول فيه يدخل ... وبعضهم للاستواء ينقل
وخصص الإجزاء بالمطلوب ... وقيل بل يختص بالمكتوب
وقابل الصحة بالبطلان ... وهو الفساد عند أهل الشان
وخالف النعمان فالفساد ... ما نهيه للوصف يستفاد
ج
نثر الورود للعلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ﵀ (١/٦٤، ٦٥) .
1 / 20
والاجْتِهادُ: بَذْلُ الوُسْعِ في بُلُوغِ الغَرَضِ (١) .
وَقالَ مَالكٌ: «يَجِبُ على العَوَامِ تَقْليدُ المُجْتَهدِين في الأَحْكامِ، كَمَا يَجِبُ على المُجْتَهدِين الاجْتِهادُ في أَعْيَانِ الأَدِلَّةِ» (٢) .
قَالَ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيمِيَّة: «النَّبِيهُ الَّذِي سَمِعَ اخْتَلافَ العُلَمَاءِ وأَدِلَّتَهُم؛ في الجُمْلةِ عِنْدَهُ مَا يَعْرِفُ بِهِ رُجْحَانَ القَوْلِ» (٣) .
قَالَ: «وأَكثرُ مَنْ يُميِّزُ في العِلْمِ من المتّوسِّطِينَ إذَا نَظَرَ وتَأَمَّلَ أَدِلَّةَ الفَرِيقَيْنِ بقَصْدٍ حَسَنٍ، ونَظَرٍ تَامٍ، تَرَجَّحَ عِنْدَهُ أَحَدُهما، لكِنْ قَدْ لا يَثِقُ بِنَظَرِهِ، بَلْ يَحْتَمِلُ أَنَّ عِنْدَهُ مَا لا يَعْرِفُ جَوَابَهُ، والوَاجِبُ عَلى مِثْلِ هَذَا مُوافَقَتهُ القَوْلَ الَّذِي تَرَجَّحَ عِنْدهُ بِلا دَعْوَى مِنْهُ لِلاجْتِهَادِ» (٤) . انْتَهَى.
وقَالَ الشَّافِعيُّ في الرِّسَالةِ: «فَكلُّ مَا أَنَزْلَ اللهُ في كِتَابِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ رَحمةٌ وحُجَّةٌ [٤/]، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ. وَالنَّاسُ طَبَقاتٌ في العِلْمِ مَوقِعُهُم مِنْ العِلْمِ بِقَدْرِ دَرَجَاتِهِمْ فِيْهِ؛ فَحَقٌّ عَلى طَلَبَةِ العِلْمِ بُلُوغُ غَايَةِ جَهْدَهِمْ في الاسْتِكْثَارِ مِنْ عِلْمِهِ، والصَّبرُ عَلى كُلِّ عَارِضٍ دُونَ طَلَبِهِ، واخْلاصُ النِّيَّةِ للهِ في اسْتِدْرَاكِ عِلْمِهِ نَصًَّا واستِنْبَاطًَا، وَالرَّغبَةُ إلى اللهِ في العَوْنِ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهً لا يُدْرَكُ خَيرٌ إلَّا بِعَوْنِهِ.فَإنّ مَنْ أَدْرَكَ عِلْمَ أَحْكَامِ اللهِ مِنْ كِتَابِهِ نَصًَّا واسْتِدْلالًا، وَوَفَّقَهُ اللهُ لِلقَوْلِ والعَمَلِ بِمَا عَلِمَ مِنْهُ، فَازَ بِالفَضِيلَةِ في دِيْنِهِ ودُنْياهُ؛ فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنَا فَهْمًَا في كِتَابِهِ ثُمَّ سُنَّةِ نَبِيِّه ِ ﷺ (٥») .
_________
(١) الورقات (٥٠٨) باختصار. وانظر: معجم أصول الفقه (٩١) و(٢١) ومعالم في أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة للجيزاني (٤٦٣) و(٤٨٩) فهو نفيس، والتقليد للدكتور سعد الشثري (١٦) ففيه مناقشة لتعريف التقليد نفيسة.
(٢) لم أجد من ذكره على طول بحث.
(٣) الاختيارات مع الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام (٥/٥٥٥) .
(٤) الاختيارات مع الفتاوى الكبرى (٥/٥٥٦) .
(٥) الرسالة (٣٤) . ...
1 / 21
قَالَ: «وَإِنَّمَا خَاطبَ اللهُ بِكِتَابِهِ العَرَبَ بِلِسَانِهَا عَلى مَا تَعْرِفُ مِنْ مَعَانِيْهَا» (١) .
وَقَالَ أَيْضًَا: «القِيَاسُ [/٥] أَنْ يُحَرِّمَ اللهُ في كِتَابِهِ، أَوْ يُحَرِّمَ رَسُولُهُ القَلِيلَ مِنْ الشَّيءِ؛ فيُعْلَمُ أَنَّ قَلِيلَهُ إِذَا حُرِّمَ كَانَ كَثيرُهُ مِثلَ قَلِيلِهِ في التَّحْرِيم أَوْ أَكثرَ، وكَذَلِك إذا حُمِدَ على يَسيرٍ مِنْ الطاعَةِ كانَ مَا هُوَ أكثرُ مِنْها أَوْلَى أَنْ يُحْمَدَ عَليهِ، وَكذَلِك إِذَا أَبَاحَ كثيرَ شَيءٍ كانَ الأَقَلُّ مِنْهُ أَوْلَى أَنْ يَكونَ مُبَاحًَا» (٢) .
وقال أيضًا: «القِيَاسُ مَنْزِلَةُ ضَرُورةٍ؛ لأنَّهُ لا يَحِلُّ القِياسُ والخَبرُ مَوجودٌ، كَما يكونَ التَّيَمُّمُ طَهارةً في السَّفَرِ عِنْدَ الإِعْوَازِ مِنْ الماءِ.» (٣) . انْتَهَى مُلَخَّصًَا.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِمُعَاذٍ بِنِ جَبَلٍ حِيْنَ بَعَثَهُ إِلى اليَمَنِ: «بِمَ تَقْضِي؟ فَقَالَ أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: أَقْضِي َبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ.
قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي؛ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ» (٤) .
_________
(١) الرسالة (٥١) .
(٢) الرسالة (٥١٣) .
(٣) الرسالة (٥٩٩) بتلخيصٍ وتصرفٍ لما سبق من المؤلف ﵀ كما ذكر. وانظر: إعلام الموقعين (٤/٤٣) .
(٤) أخرجه: أبو داود. في كتاب القضاء، باب اجتهاد الرأي في القضاء، حديث (٣٥٩٢)، والترمذي: في كتاب الأحكام، باب ما جاء في القاضي كيف يقضي، حديث (١٣٢٧)، وأحمد في مسند (٣٦/ حديث ٢٢٠٠٧ و٢٢١٠٠ و٢٢٠٦١، طبعة الرسالة)، والدارمي في مسنده (١/٢٦٧ / رقم ١٧٠) تحقيق الأسد، وأبو داود الطيالسي في مسنده رقم (٥٥٩) طبعة المعرفة، وفي المنحة (١/٢٨٦/رقم ١٤٥٢)، والبيهقي في السنن الكبرى (١٠/١١٤)، وابن أبي شيبة في مصنفه، (٤/٥٤٤/٢٢٩٧٩)، وابن عبد البر في جامعه (٢/ رقم ١٥٩٢، ١٥٩٣)، والعُقَيْلي في الضعفاء في ترجمة الحارث بن عمرو (١/٢٣٤/ رقم ٢٦٣) طبعة السلفي، والدارقطني في العلل (٦/٨٨/ رقم ١٠٠١)، وغيرهم.
من طرق عن شعبة عن أبي العون محمد بن عبيد الله الثقفي عن الحارث بن عمرو - أخي المغيرة بن شعبة - عن معاذ، وتارة عن أصحاب معاذ عن معاذ، واخرى عن أناس من أصحاب معاذ من أهل حمص عن معاذ قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (٣/٨٢): «الحارث بن عمرو؛ روى عن أصحاب معاذ، روى عنه أبو عون الثقفي سمعت أبي يقول ذلك» .=
=وقال الذهبي في الميزان (٢/١٧٥): «عن رجال عن معاذ بحديث الاجتهاد، قال البخاري لا يصح ... حديثه» . وانظر: التاريخ الصغير للبخاري (١/٣٠٤)؛ فمدار الحديث على الحارث بن عمرو:
قال الحافظ: «مجهول»، وقال البخاري: «لا يصح حديثه» وقال الذهبي: «تفرد به أبو عون محمد بن عبيد الله الثقفي، عن الحارث بن عمرو الثقفي ابن أخي المغيرة، وما روى عن الحارث غير أبي عون، فهو مجهول» . وانظر: التهذيب (١/٤٧٤) طبعة المعرفة.
وقال الترمذي: «هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتصل» . وانظر تحفة الأحوذي (٣/٤٤٩) .
وقال ابن الجوزي في العلل (٢/٧٥٨): «لا يصح وإن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم ويعتمدون عليه وإن كان معناه صحيحًا» .
وقال الجوزقاني في الأباطيل والمناكير (١/٢٤٣ رقم ١٠١) طبعة الفريوائي: «هذا حديث باطل» .
وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (٢/٤٢٤) تحقيق السلفي: «رواه أبو داود والترمذي بإسناد ضعيف، وقال البخاري: مرسل، وقال ابن حزم: لا يصح، وقال عبد الحق: لا يسند ولا يوجد من وجه صحيح.» باختصار.
وقال العلامة المحدث الراحل الشيخ ناصر الدين الألباني ﵀ في الضعيفة (٢/٢٧٣) «منكر» وذكر كلامًا لابن حزم ﵀ فقال: «هذا حديث ساقط، لم يروه أحد من هذا الطريق، وأول سقوطه أنه عن قوم مجهولين لم يُسموا، فلا حجة فيمن لا يعرف من هو؟ وفيه الحارث بن عمرو، وهو مجهول لا يعرف من هو؟ ولم يأت هذا الحديث من غير طريقه» وقال في موضع آخر بعد أن نقل قول البخاري فيه: «لا يصح» ثم قال: «وهذا حديث باطل لا أصل له» أ. هـ.
وقال الحافظ ﵀ في التلخيص الحبير (٤/١٨٢) فيما نقله عن محمد بن طاهر المقدسي (ت ... ٥٠٧هـ): «اعلم أنني فحصت عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار، وسألت عنه من لقيته من أهل العلم بالنقل؛ فلم أجد له غير طريقين؛ إحداهما طريق شعبة؛ والأخرى عن محمد بن جابر، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن رجل من ثقيف، عن معاذ؛ وكلاهما لا يصح» . أ. هـ.
ولقد صنَّف جمع من أهل العلم في بيان درجة هذا الحديث، انظر: التعريف بما أفرد من الأحاديث بالتصنيف للشيخ يوسف العتيق أثابه الله.
وجوَّد إسناده الحافظُ ابن كثير ﵀ في تفسيره (١/١١٣)، فقال: «وهذا الحديث في المسانيد والسنن بإسناد جيد كما هو مقرَّر في موضعه» .
= ومن رام مزيد بيان وتوضيح وردٍّ على من صحَّح الحديث أو حسَّنه يُرجع إلى ما سطرته يراعُ العلاّمَة المحدِّث الشيخ ناصر الدين الألباني ﵀ في السلسلة الضعيفة (٢/٢٧٣/ رقم ٨٨١) والله أعلم.
1 / 22