شهر رمضان يكفر ما بين يديه إلى شهر رمضان المقبل. وقد وردت أحاديث كثيرة بخصال تكفير الذنوب المتقدمة
والمتأخرة من غير تقييد بزمان، وقد جمع ذلك شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر في جزء، وسيأتي تلخيصه، وهو أنه ذكر في أوله مقدمة في جواز وقوع ذلك فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، وفي رواية الله أطلع فقيل الأمر في قوله اعملوا للتكريم، وأن المراد كل عمل عمله البدري لا يؤاخذ به، وقيل أن أعمالهم تقع مغفورة، كأنها لم تقع، وقيل: حفظوا فلم تقع منهم سيئة. ويضعف الأخير وورد النقل بخلافه، فقد شهد مسطح بدرًا وقد وقع منه في حق عائشة ﵂ كما في الصحيح، وقصة نعمان أيضًا مشهورة، والمراد من عدم المؤاخذة على الأول عدمها في أحكام الآخرة، أما في الدنيا فتترتب عليهم أحكامًا إجماعًا، ولهذا أقيم الحد على مسطح ﵁ وغيره. ويستفاد من هذه المقدمة الرد على ما نقله الأسنوي في خطبة رسالة الشافعي، لأبي الوليد النيسابوري أحد أصحاب ابن ريج أنه نقل عن الأصحاب: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت من الذنوب، والاستغفار قبل الذنب محال. أ. هـ.
قال الأسنوي عقبه: ولقائل أن يقول: المحال هو طلب المغفرة للذنب قبل وقوعه أن يغفر إذا وقع، فلا استحالة فيه. أ. هـ. والله أعلم. ثم قال الحافظ ابن حجر: يدخل في هذا المعنى صوم يوم عرفة وإنه يكفر ذنوب سنتين الماضية والمستقبلة، فهو دال على وجود التكفي قبل وقوع الذنب، ومن ذلك دعاؤه ﷺ لبعض الصحابة بأن يغفر الله تعالى ما تقدم من ذنبه وما تأخر، كما ورد في حق عثمان بن عفان، وعائشة ﵂، فدعاء المعصوم بذلك لبعض أمته دال على جواز وقوع ذلك، وسيأتي في حديث العباس بن مرداس أنه قال ﷺ: طلب ذلك في موقف عرفة، فأجيب إلى ذلك، واستثنى التبعات، ثم أجيت مطلقًا صبيحة المزدلفة. قلت: هذا الكلام يقتضي أنه أورد بعد ذلك حديث العباس بن مرداس، ولم أره في كتابه، غير أنه قال في آخر ترجمة
الحج، عقب حديث العباس بن مرداس في دعاء النبي ﷺ بعرفة ثم بمزدلفة؛ فإنه يدخل في ما نحن فيه. أ. هـ. وسنورده معنا إن شاء الله تعالى. ثم قال الحافظ ابن حجر: وأعلم أن الله تعالى مالك كل شيء، له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، ولم يمتنع أن يعطي من شاء ما يشاء، وقد ثبت أن ليلة القدر خير من ألف شهر، وقد يقع عمل العبد في بعض ليالي السنة لبعض الناس أكثر مما يعمل فيها، مع ذلك فالعمل فيها أفضل من غيرها بثلاثين ألف ضعف، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
1 / 195