لسبب واحد هو أن التفكير الحر المستقل أصبح جريمة، وصارت الشعوب العربية تؤمن بالغزالي، الذي كان يعد تعلم الجغرافية سبيلا إلى الكفر، بدلا من أن تؤمن بابن رشد أو ابن النفيس.
ورأى ابن رشد مؤلفاته تحرق أمام عينيه، وينفى إلى مراكش، حيث بقي يتعفن إلى أن مات، بل إن موسى بن ميمون تلميذه، كان يؤلف مؤلفاته العربية في القاهرة بالخط العبري حتى لا يقرأها العرب ويتهموه بالكفر، ورأينا صلاح الدين يأمر بقتل السهروردي بتهمة الكفر.
بعد ذلك مات الفكر العربي، وازداد موتا بدخول الأتراك واحتلالهم الأقطار العربية، وأصبحت النهضات العربية تعتمد على الأئمة بدلا من الاعتماد على الفلاسفة.
أصبح التفكير محظورا بحكم الآراء ورضا المجتمع، ولذلك لم يظهر عبقري واحد في الشعوب العربية منذ 600 سنة، وإلى الآن، لا يزال المفكر المصري يتهم بأنه ضد التقاليد إذا جرؤ على التفكير المثمر. •••
كل ما سبق يعالج موضوع: كيف لا نكون عبقريين؟
أما كيف نكون عبقريين فشروط ذلك أن نعيش في مجتمع حر، غير متجمد بما نسميه تقاليد، وفي ظل حكومة غير مستبدة، أو تخشى الأفكار الجديدة، مثل حكومات إسماعيل صدقي وغيره أيام فؤاد وفاروق ...
أما كيف يكون المؤلف مبتكرا عبقريا؛ فالشرط الأول لذلك أن يحب الإنسانية، وأن تكون النظرة الشاملة ليس إلى وطنه وحده بل إلى العالم كله، وحبه الإنسانية، وشمول نظرته، يحملانه على الرغبة في الارتقاء والخير فينقذ الحال القائمة، وهو يؤمل ويرجو في حال أخرى أسعد للناس وأوفر هناء لهم، وعندئذ يؤلف كي يغير ويطور المجتمع.
وهذه هي العبقرية.
كتب العلم وكتب الأدب
في ظروفنا الحاضرة، في فقرنا الذي يدل عليه هبوط الدخل السنوي في عام 1937، وهو نحو 830 قرشا يعيش بها المصري، وعليه أن يحصل منها على قوته طيلة العام لحما وخبزا وملحا، وأن يحصل منها على السكنى واللباس ووسائل النظافة ... في ظروفنا الحاضرة هذه ... أنحتاج الذي يسميه الدكتور طه حسين «ترفا ذهنيا»؟ أم نحتاج إلى العلم الذي نبني به بلادنا ونعمرها، زراعة وصناعة، حتى يرتفع متوسط الدخل للمصري من 850 قرشا في العام إلى 600 أو 700 جنيه، كما هو متوسط الدخل في الولايات المتحدة؟
Unknown page