إن تحضير الأرواح، وما يقال من عقد الجلسات بشأنها، وأنها تظهر فيها، وسائر هذا الكلام، كان يبدو لي على الدوام، شيئا سخيفا ووقحا، باعتباره طريقة أو وسيلة لبحث الظواهر النفسية أو الروحية وخفايا الحياة الأخرى، بل هو في العادة أكثر من هذا، إذ إن تحضير الأرواح هذا هو استغلال لعواطف الناس الذين يجدون أنه من السهل أن يصدقوا؛ إذ هم في حاجة إلى ما يخفف عنهم متاعبهم العقلية، ولست أنكر أنه من الممكن أن يكون للظواهر الروحية أساس من الحقيقة، ولكن طرق معالجتها تبدو لي جميعا مخطئة ...
هذا الرجل «نهرو» قد عاش في إنجلترا كما عاش في الهند، ولذلك هو يقارن كثيرا بين الرقي والانحطاط، فيقول هذا الكلام التالي الذي يجب أن يتعمق أدباؤنا المتزمتزن معانيه:
إن أسباب الانحطاط في الهند واضحة؛ ذلك أنها تأخرت في الصناعات الفنية، في حين أن أوروبا التي كانت متخلفة أخذت بالارتقاء الفني، وكان خلف هذه الصناعات هذا الروح العلمي، وهذه الحياة المتدفقة، التي انتفضت في نشاط واقتحام تكشف الدنيا.
ونحن نجد في التاريخ الماضي للهند تقهقرا يتوالى قرنا بعد قرن، فإذا بروح الخلق والابتكار يتضاءل إزاء التقليد والنقل، وبدلا من الأفكار الثائرة المنتصرة التي كانت تحاول أن تخترق خفايا الطبيعة والكون لم نعد نجد غير المعلقين والشراح بتوضيحاتهم وتخريجاتهم المستفيضة، حتى إن فخامة الفن والعمارة تنهزم وتترك مكانها للنحت الدقيق في التفاصيل المعقدة، بدلا من النبل في التصوير أو التخطيط، كما أن قوة اللغة وخصوبتها، قوة وخصوبة ولكن مع السهولة، تزول وتأخذ مكانها زخارف وأساليب أدبية معقدة.
إني أقف هنا وأتساءل: هل يومئ نهرو إلينا؟
هل هو يتكلم عن تطعيم الخشب بالصدف والعاج، وعن المشربية التي تصنع من نوى البلح؟
هل هو يتكلم عن زخارفنا اللفظية؟ وما معنى قوله: والقوة والخصوبة ولكن مع السهولة؟ أية سهولة؟
هل هي السهولة التي ندعو إليها كي يفهم الشعب؟ •••
وكنت أحب أن أنقل ما قاله نهرو عن الصناعة، وما كان يقوله المستعمرون بأن الهند بلاد زراعية، وما قلت مثله مئة مرة في الثلاثين سنة الماضية حتى صار كلامي عن هذا الموضوع يشبه الهوس، ولذلك سأتركه، وكذلك لن أنقل ما يقوله عن المرأة، أليست شقيقته رئيسة جمعية الأمم المتحدة هذا العام؟ وقصارى ما أقول عن نهرو: إنه رجل أوروبي الذهن مئة في المئة، وإنه يعارض الرجعيين في بلاده كما يعارض المستعمرين.
وإنه لا يبالى بأن يقول للشعب الهندى: أنا كافر بأدبائكم؛ إذ هو يأنف من أن يغش الجماهير التي يقودها؛ ذلك لأنه يقود، ولا ينقاد، حرصا على الزعامة.
Unknown page