إن كنت عبدا فنفسي حرة كرما
أو أسود اللون إني أبيض الخلق
وايم الله إنك لجدير، بما نقل عن الخليفة المأمون الخطير، مخاطبا لإبراهيم بن المهدي عقب ضبطه في حال الخروج عليه، وتأمينه حين شق العصا ودعا بالخلافة إليه، وكان قد عفا عنه وقبل أعذاره منه، وشرع في مداعبته، بقوله له أنت الخليفة الأسود، وأمير المؤمنين الهمام الأمجد، لكنه لما تفطن أنه خامر قلبه من هذه المداعبة الفزع، واستولى عليه الرعب والجزع، قال في الحال تسكينا، لما نزل به وتأمينا:
ليس يزري السواد بالرجل الشه
م ولا بالفتى الأديب الأريب
إن يكن للسواد فيك نصيب
فبياض الأخلاق منك نصيبي
هنالك قام الشيخ واقفا، وقال بعد ثنائي عليه واصفا: أنت والله يا بديع الشمائل، على الحقيقة معدن الفضائل، وأنت علم الأعلام، وسيد علماء الإسلام، وبحر المعارف المتلاطمة بالذكاء أمواجه، وبر العوارف التي بهرت بالسخاء أفراده وأزواجه، وطود العلوم الراسخ، وفضاؤها الذي لا تحصى له فراسخ، وجواد الفهوم الذي لا يتأتى لحاقه، وبدر سمائها الذي لا يدركه محاقه، وأنت الرحلة التي تضرب إليها أكباد الإبل، والقبلة التي يصلي إليها كل مؤمن وعندها إلى الله يبتهل، وأنت علامة البشر، ومجدد الدين على رأس القرن الثاني عشر، ولعلك أنت الذي انتهت إليك في الدنيا رياسة المذهب والملة، وبك قامت قواطع البراهين والأدلة، وجمعت بين الفنون فانعقد عليك الإجماع، وتفردت بصنوف الفضل فسحرت النواظر والأسماع، فما من فن إلا ولك فيه القدح المعلى، والمورد العذب المحلى، إن قلت لم تدع قولا لقائل، أو طلت لم يأت غيرك بطائل، وما مثلك مع من تقدمك من الأفاضل والأعيان، إلا كالأمة المحمدية المتأخرة عن الملل والأديان؛ فإنها وإن جاءت آخرا، إلا أنها فاقت مفاخرا، فقلت له: يا من ليس لك في عصرك شريك، وصفتني بجميع ما هو فيك، لا سيما وأنك ما حققت لي معرفة، ولا وقفت لي على كنه صفة، ولا سبرتني في معارف، ولا اختبرتني في تليد من العلوم ولا طارف، فقال لي وهو باسم الثغر، ضاحك منشرح الصدر: إني بمجرد نطقك أخذتك بالفراسة، وثبت عندي أنك أهل للرياسة، وإني على ثقة من تقدمك على بني العصر، في النظم الفائق ورائق النثر.
فقلت: إن أردت أن تسمع مني ما حفظته من نظم السيد عبد الله الوزير، الذي لم يكن له في زمانه من أخدانه نظير، فهاك ما نقلته من خطه بنفسي، في مراجعة للقاضي علي بن محمد العنسي:
حتام تعذل في الهوى وتلوم
Unknown page