وبعد مرور 50 عاما على جمع ويل أوفوب لأبنائه حوله ودعائه ليلة عيد القديسين لأن يشمله الرب بالحماية، التقى هوج عددا من أبناء عمومته من الذكور - الذين لم يذكر أسماءهم - في نفس البيت المرتفع في مزرعة فوب. وكان البيت يستخدم آنذاك كنزل يسكنه أي راع أعزب يرعى أغناما تحتاج إلى طعام كثير. وقد اجتمع المجتمعون في هذا البيت، لا ليسكروا ويحكوا قصصا بل من أجل «قراءة مقالات». ويصف هوج هذه المقالات بأنها حماسية ورنانة. ومن تلك الكلمات ومما قيل بعد ذلك، يبدو أن هؤلاء الشباب الذين لم يخرجوا عن نطاق إتريك قد سمعوا عن عصر العقل - وإن كانوا ربما لم يطلقوا عليه ذلك - وعن أفكار فولتير ولوك وديفيد هيوم، الاسكتلندي الذي ينتمي لمنطقة الأراضي المنخفضة. نشأ هيوم في ناينويلز التي تبعد حوالي 50 ميلا عن قرية تشيرنسايد، تلك القرية التي عاد إليها مرة أخرى عندما كان يعاني من انهيار عصبي في سن الثامنة عشر، وهو أمر ربما تغلب عليه مؤقتا بسبب ما رآه هناك من تنقيب في الحياة الشخصية للناس. وقد كان ما زال على قيد الحياة وقت ولادة هؤلاء الشباب.
يمكن بالطبع أن يكون تخميني في غير محله؛ إذ ربما كان ما يسميه هوج مقالات هو في واقع الأمر قصص؛ حكايات عن مطاردة المعاهدين في اجتماعاتهم السرية الخارجية من قبل فرسان المشاة الذين يرتدون سترات حرب حمراء، وحكايات عن الساحرات وعن الموتى الذين يسيرون على أقدامهم. وكان هؤلاء الشباب يحاولون قراءة أي مؤلف، نثرا كان أم شعرا. مدارس جون نوكس أدت ما عليها، وقد بدأ حب الأدب والشعر ينتشر في جميع المراحل الدراسية بتلك المدارس. ولما كان هوج في أقل منزلة له، حيث كان يعمل راعيا للأغنام على تلال نيثسدال الموحشة ويعيش في كوخ صغير يصعب العيش فيه؛ جاءه الأخوان آلان كانينجهام، الشاعر والمتدرب لدى البناء بالحجر، وأخوه جيمس - بعد أن اجتازا مسافة طويلة عبر الريف حتى يقابلاه ويعبرا له عن إعجابهما به. (أصاب هوج الذعر في بداية الأمر؛ إذ ظن أنهما أتيا إليه يتهمانه بإثارة مشكلة ما مع إحدى النساء.) ترك ثلاثتهم الكلب هيكتور يحرس الأغنام وجلسوا يتحدثون عن الشعر طوال اليوم، ثم دخلوا إلى الكوخ كي يحتسوا الويسكي ويتحدثوا عن الشعر طوال الليل.
وقد عقد اجتماع رعاة الأغنام شتاء في مزرعة فوب، وهو الاجتماع الذي ادعى هوج أنه لم يتمكن من حضوره على الرغم من وجود مثل هذا المقال في جيبه. كان الجو دافئا على غير العادة، إلا أن عاصفة هبت في هذه الليلة، وسرعان ما تبين أنها أسوأ عاصفة منذ نصف قرن مضى. تجمدت الأغنام من البرد في حظائرها، وحوصرت الخيول والرجال وتجمدوا على الطرق، ودفنت المنازل حتى أسقفها في الجليد، واستمرت العاصفة على مدار ثلاثة أو أربعة أيام، وهي تزمجر وتدمر، ولما انتهت، ونزل رعاة الأغنام الشباب إلى الوادي أحياء، هدأت عائلاتهم وتنفست الصعداء، ولكنها لم تكن راضية عنهم على الإطلاق.
قالت أم هوج لابنها بوضوح إن العاصفة كانت عقابا حل بالمنطقة كلها بسبب العمل الشيطاني المتمثل في أي مطالعة أو مناقشة جرت في المزرعة في تلك الليلة. ولا شك أن كثيرا من الآباء ظنوا كما ظنت أم هوج.
وبعد مرور بضع سنوات، كتب هوج وصفا دقيقا لهذه العاصفة، ونشر هذا الوصف في مجلة «بلاكوودز ماجازين». وكانت هذه المجلة من المجلات المحببة للأختين برونتي وهما صغيرتان في بيت أبيهما القسيس الكائن في قرية هاوورث، وعندما اختارت كل منهما بطلا لتجسيده في ألعابها، اختارت إيميلي شخصية راعي أغنام إتريك، جيمس هوج (أما الأخت شارلوت، فقد اختارت دوق ويلنجتون). وتبدأ رواية «مرتفعات ويذرينج»، وهي الرواية الشهيرة لإيميلي ، بوصف عاصفة هوجاء مرعبة. وكثيرا ما تساءلت إن كان ثمة رابط بين هذا الوصف ومقال هوج. •••
لا أعتقد أن جيمس ليدلو كان واحدا من الموجودين في مزرعة فوب في تلك الليلة؛ فخطاباته التي قرأتها له لا توحي بأن له عقلا كعقل المتشككين أو المنظرين أو الشعراء. وبالطبع، فإن الخطابات التي قرأتها كتبها عندما صار عجوزا. فالناس يتغيرون بلا شك.
ولا شك أنه كان خفيف الظل في أول لقاء لنا معه هنا - حسب رواية هوج - في حانة تيبي شيل (التي ما زالت موجودة، والتي تبعد عن مزرعة فوب مسافة أكثر من ساعة مشيا عبر التلال، تلك المزرعة التي ما زالت موجودة أيضا، وقد تحولت الآن إلى كوخ صغير عام على ممر ساوثذرن أبلاند واي للمشي). وكان يقدم عرضا فنيا قد يراه البعض نوعا من الكفر. لقد كان نوعا من الكفر، ومحفوفا بالمخاطر، ومضحكا. كان يركع على ركبتيه ويصلي للكثير من الحضور. كان يطلب العفو ويتحدث عن الخطايا المعلق أمر توبتها، بادئا كلا منها بعبارة «إن صح أن ...» ««إن صح أن» الطفل قد ولد لأسبوعين بعد أن أصبح لزوجة فلان طلة مبهرة عن كذا، فهل سترحم يا ربي كل الضالعين ...؟» ««إن صح أن» فلانا غش فلانا في عشرين قطعة من الفضة في سوق الأغنام الأخيرة بقرية سانت بازويلز، فندعوك يا رب، على الرغم من هذا الفعل الشيطاني، أن ...»
لم يكن بالإمكان منع بعض من ذكر أسماءهم من الهجوم عليه، واضطر أصدقاؤه إلى إخراجه قبل أن يمسه سوء.
ربما كان في هذا الوقت أرملا، رجلا حرا بلا قيود، أفقر من أن ترضى أي امرأة بالزواج منه. أنجبت له زوجته بنتا وخمسة أولاد ثم ماتت وهي تضع مولودها الأخير. سمى البنت ماري، وسمى الأولاد: روبرت، وجيمس، وأندرو، وويليام، ووالتر.
عندما كان يكتب لجمعية مختصة بالهجرة إبان اندلاع معركة ووترلو، كان يقدم نفسه على أنه شخص مناسب للهجرة؛ لأن لديه خمسة أولاد أقوياء كان سيصطحبهم إلى العالم الجديد. لا أعرف إن كان قد حصل على مساعدة للهجرة أم لا. ولكنه على الأرجح لم يحصل؛ لأننا سمعنا بعد ذلك أنه كان يمر بمشاكل في جمع تكاليف السفر. ثم حل الكساد بعدما وضعت الحروب النابليونية أوزارها، وانهارت أسعار الأغنام. ولم يعد يتفاخر بأولاده الخمسة. رحل الابن الأكبر روبرت إلى منطقة الأراضي المرتفعة الاسكتلندية، وذهب جيمس إلى أمريكا - التي كانت كندا جزءا منها آنذاك - بمفرده تماما، ويبدو أنه لم يرسل خطابا يخبر فيه أباه عن مكانه أو عما يفعل. (كان في نوفا سكوشا ويعمل معلما بإحدى المدارس في منطقة اسمها إيكونومي، وإن كان لا يتمتع بأي مؤهلات تؤهله لشغل هذه الوظيفة باستثناء ما تعلمه في مدرسة إتريك وربما ذراعه اليمنى القوية.)
Unknown page