وجد فيه ، وكذا بقاء وجوده في قطعة من الزمان أو الدهر ، وأنه حيث انقضت تلك القطعة وتصرمت ، اقتضى انعدامه ، لكون وجوده بعد ذلك منافيا للأصلح. وهذا مما ليس فيه توهم انعدام الواجب لذاته ، فإن العلم بالأصلح جاز أن يكون مقتضياته مختلفة باختلاف الأزمنة ومنافيا بعضها لبعض ، وبعبارة اخرى أن العلة التامة لوجود الممكن لما كانت مركبة من الوجود والعدم ، أي من وجود علته الفاعلة له ، ووجود جميع شرائط وجوده ، ومن عدم الموانع منه فجاز أن يكون ذلك المانع من وجوده الذي فرض ارتفاعه أولا قد حدث بعد انقضاء قدر من زمان وجوده بحدوث علته ، ويكون مانعا من وجوده ، فحينئذ يمكن أن يكون انعدام الصادر الأول بانعدام علته التامة أي بحدوث المانع الذي وجوده مستلزم لارتفاع عدمه وهذا الإيراد على هذا التقرير يمكن أن يورد في القديم أيضا ، ولا يلزم منه في الصورتين انعدام الواجب تعالى بوجه ، فما الجواب؟
قلت : من المستبين عند العقل السليم ، أن العلم بالأصلح لا يمكن أن يكون جزافيا ، بل ينبغي أن يكون متعلقا بما هو أصلح في الواقع وفي نفس الأمر. فعلى هذا نقول : إذا اقتضى العلم بالأصلح وجود الصادر الأول في وقته الذي وجد فيه ، ينبغي أن يكون وجوده فيه أصلح في الواقع من عدمه ، وكذا من وجود ما سواه مطلقا فيه ، وكذا من وجوده في غير ذلك الوقت مطلقا ، وحيث فرض كونه صادرا أولا يلزمه أن يكون ذلك لخصوصية فيه ، وما هي إلا لكون وجوده أشرف وأكمل من وجود غيره من الممكنات التي يمكن أن توجد بعده مطلقا ، فإن علة الشرف والكمال هي الدنو من الحق المتعال ، وأن كل ما كان متقدما في الوجود فهو أوفر اختصاصا به تعالى ، ولا سيما إذا قلنا بترتيب وجود الممكنات ، وقلنا بتقدم صادر الأول على غيره بالعلية أو بالطبع أو نحو ذلك ، وبكونه واسطة في إفاضة الفيض كما حقق في موضعه.
وبالجملة ينبغي أن يكون وجوده اكمل من وجود غيره مطلقا ، ويكون وجود غيره أنقص منه مطلقا ، حتى وجود ضده الذي هو مانع عن وجوده ، ورفعه من جملة رفع الموانع عنه ، ولسنا نعني بذلك أكملية وجود هذا في ذلك الوقت الذي فرض وجوده فيه من وجود ما سواه مطلقا فيه ، بل نعني به أن وجوده في كل جزء فرض من أجزاء الأزل والأبد ، أكمل من وجود ما سواه من الممكنات فيه مطلقا ، فإن كونه صادرا أولا يقتضي
Page 110