المقام الأول في جواز عدم العالم وامتناعه
أما المقام الأول.
فنقول : قال الفاضل الأحساوي : المقدمة الثانية ، فالكلام فيها على نوعين : الأول في جواز عدم العالم أو امتناعه ، ومذهب الإسلاميين جوازه ، ومنعه طائفة من الفلاسفة ، لا باعتبار ذاته ، لأنه عندهم ليس بواجب الوجود لذاته ، نعم منعوه من حيث وجوب وجوده بغيره بناء على تلازم المعلول مع علته التامة ، وأن عدم المعلول إنما يكون لعدم علته ، وعلته واجب الوجود ، وهو لا يصح عدمه.
وطائفة منعوه بناء على وجوب وجوده لذاته ، وهذا مذهب مخالف لمقتضى العقول ، ومناف لجميع الشرائع ، فإن العقل الصريح حاكم بإمكانه ، وأنه ليس بقديم لذاته ، ولذلك جميع الملل والشرائع مخبرة بذلك فلا يلتفت إلى ما قالوه.
ونسبوا إلى الكرامية القول بأبدية العالم بعد القول بحدوثه ، فإن أرادوا بأبديته ، أبديته بفاعل مختار يوجب له البقاء ، ويفيض عليه الوجود لا إلى نهاية ، فذلك لا يحيله العقل ، ولا ينافي أحكام الشريعة ، فإنه قد ورد فيها أن أهل القيامة أبديون كما صرحت به الآيات القرآنية.
وإن أرادوا أبديته بذاته فذلك محال عقلا وسمعا ، لأن الأبدية الذاتية لا يتحقق مع الحدوث الذاتي ، لما بين التأبيد الذاتي والإمكان الذاتي المستلزم للحدوث الذاتي من المنافاة الذاتية. نعم يصح أبديته استنادا إلى علته الممدة له باعتبار ارتباطها به على ما مر.
والذي عليه عامة أهل الإسلام جواز عدمه بالنظر إلى ذاته ، لكن يختلفون في أن هذا
Page 102