وأنه في الجميع روحاني وجسماني معا ، والله تعالى يعلم.
وحيث عرفت ما بيناه عرفت أن ما نقله صدر الأفاضل من المتكلمين ، أنهم حملوا الآيات والنصوص الواردة في إثبات الحشر على أن المراد جمع المتفرقات من أجزاء الإنسان التي هي حقيقته ومنعوا فناء الإنسان بالحقيقة ، لأن حقيقة الإنسانية بأجزائه الأصلية ، وهي باقية ، إما متجزية أو غير متجزية ، ثم أورد عليهم بأنه مستبعد من العقل والنقل ، ليس ذلك الاستبعاد واردا عليهم ، لو أرادوا بتلك الأجزاء الأجزاء الأصلية من بدنه ، كما عرفت أن الأحاديث المروية عن الصادقين عليهم السلام تدل عليه ، وأرادوا بجمع المتفرقات جمع تلك الأجزاء وإعادة النفس الباقية إليها مرة اخرى ، فإنه لا يبعد من العقل والنقل بوجه أصلا.
نعم لو أرادوا بتلك الأجزاء الأصلية الباقية أنها عبارة عن النفس الباقية ، كما نقل عن كثير منهم ، سواء قالوا بانعدام البدن بالكلية أو لم يقولوا به ، لورد عليهم ذلك الاستبعاد عقلا ونقلا ، إذ العقل كما يأتي بيانه يدل على أن النفس الإنسانية جوهر مجرد لا أجزاء أصلية ، وكذلك النقل وإن دل على بقاء الأجزاء الأصلية من الموتى كما عرفت ، لكن دلالته على أنها هي النفس الإنسانية الناطقة غير ظاهرة بل مستبعدة. فإن الظاهر من النقل أيضا كما سيظهر وجهه أن النفس الإنسانية الناطقة جوهر مجرد باق غير الأجزاء الأصلية ، كما أن ما نقله عنهم من أنهم تارة جوزوا إعادة المعدوم ، يرد عليهم ذلك الاستبعاد كما بينا وجهه سابقا وسيأتي زيادة بيان له ، فانتظر.
وحيث انتهى الكلام إلى هذا المقام فحري بنا أن نتكلم في أن شيئا من النفس والجسد ، بل شيئا من أجزاء العالم ، هل يجوز أن ينعدم بالكلية أم لا؟ وعلى تقدير جواز الانعدام ، فهل يجوز أن يعاد المعدوم بعينه أم لا؟ إذ هو أيضا مما يبتني عليه الخلاف في المعاد ، وتحقيق القول فيه مما يتوقف عليه إثبات ما نحن بصدده ، من إثبات المعاد على النهج الذي دل عليه الشرع فلنبين ذلك في مقامين :
المقام الأول في الأمر الأول ، أي جواز الانعدام وعدمه ، والثاني في الثاني ، أي جواز إعادة المعدوم وعدمها.
Page 101