ذلك الحمار حيث كانت الصورة العظمية باقية فيها ، أو لا تبقى فيها تلك الصور ، بل كانت رميما ورفاتا وترابا ومزقت كل ممزق ، كما في أكثر الموتى الذين أخبر الله عن بعثهم ، فنسبة قدرة القادر المختار العليم الحكيم على السواء إلى جمع الجميع وإفاضة الصور الأصلية والفرعية عليها بحيث تصير عين الأول باعتبار الأصل ، وان كانت مثلها من جهة بعض الاعتبارات غير المنافية للعينية ذاتا ، وكذا إعادة النفس الاولى الباقية إليها كما في شأن الإنسان الذي كلامنا فيه ، ويدل العقل والنقل على أن روحه جوهر مجرد باق ، وبحيث يكون الشخص المعاد عين المبتدأ بعينه ، فإن الكل ممكن بالذات غير مستحيل عقلا ولا شرعا ، وهو مقدور للقادر المختار الذي لا يعجز عن شيء ، ولا يعزب عنه شيء كما إذا كان البدن غير متفرق الأجزاء باقيا بمادته وصورته ، كما في قصة عزير عليه السلام وقصة أصحاب كهف. فلذلك حكى سبحانه عن عزير عليه السلام : انه لما أماته الله تعالى مائة عام ثم بعثه وأحياه فأمره بالنظر إلى طعامه وشرابه لم يتسنه ، وكانا باقيين على حالهما وصورتهما الأصلية بمادتيهما ، بحيث لم يتغيرا أصلا بمضي السنين ، وكذا أمره بالنظر إلى حماره وبقاء عظامه وإفاضة الله تعالى الصورة اللحمية عليها وجعله حيا مثل الأول. وتبين له ذلك ( قال أعلم أن الله على كل شيء قدير ) (1) وانه كما يقدر على إعادة الروح إلى الجسد الباقي ، كذلك يقدر على جمع الأجزاء المتفرقة وجعلها حية. وكذلك قال في شأن أصحاب الكهف حيث بعثهم بعد ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا بإعادة أرواحهم إلى أجسادهم الباقية. ( وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها ) (2) وأنه كما يقدر على إعادة الأرواح إلى الأجساد الباقية غير المتغيرة ، كذلك يقدر على جمع الأجزاء المتفرقة من البدن وإعادة الروح إليها مرة اخرى ، وأن المعاد جسماني وروحاني لا أحدهما وحده. ولعل اختلاف مراتب المعاد الذي أخبر عنه جل وعلا في الكتاب الكريم كهذه القصص ، وقصة الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم ، (3) والآيات التي دلت على وقوع المعاد وإن صارت الأجساد عظاما وترابا ورفاتا ومزقت كل ممزق إشارة إلى إمكان الجميع ، وكون الكل مقدورا لله تعالى ،
Page 100