يمكن إثباتهما بالعقل وحده ، وأعظم من السعادة والشقاوة بحسب البدن كما سيأتي بيانه ، وكان الحكماء الإلهيون رغبتهم في إصابة هذه السعادة أعظم من رغبتهم في إصابة السعادة البدنية ، بل كأنهم لا يلتفتون إلى تلك ، وإن اعطوها ، ولا يستعظمونها في جنب هذه السعادة التي هي مقارنة الحق الأول ، فلذا قصروا النظر على المعاد الروحاني وتركوا إثبات الجسماني ، وهذا لا يدل على إنكارهم له.
قلت : ما ذكرته لا يصح أن يكون منشأ لترك إثبات الجسماني منه ، فإنهم لو صدقوا بالشرع لكان ينبغي لهم أن يقولوا به ولو كان على سبيل الإجمال وإن كان على طريق الحوالة على الشرع ، كما قال به الشيخ وهم لم يفعلوا هذا ، كما يدل عليه ظواهر كلماتهم المنقولة عنهم. وهذا أيضا مخالف للشرع من جهة أنهم لم يقولوا بما نطق به الشرع ، مع كونه ضروريا في الدين ، ومع أن أكثر السعادة والشقاوة الواردتين في الشرع جسمانية ، كالفوز بالجنات والحور والقصور ونظائرها ومقابلاتها وأن الروحانية منها نادرة.
على أنا فيما بعد إن شاء الله تعالى سنقيم الدليل العقلي على إثبات أصل الجسماني منه ، وأنه مما يستقل به العقل على ما هو المقصود الأصلي من وضع الرسالة ، وهذا الذي ذكرناه وفصلناه يشبه أن يكون وجه اختلافات الناس في المعاد ، حيث إن بعضهم أنكره وبعضهم أثبته مع اختلافهم فيه في كونه جسمانيا فقط ، أو روحانيا فقط ، أو روحانيا وجسمانيا جميعا ، على ما فصلناه على كل مذهب من المذاهب المذكورة.
وبالجملة فوجه اختلافهم في ذلك اختلاف مذاهبهم في حقيقة النفس والبدن كما يشعر به كلام الفاضل الأحساوي أيضا.
Page 94