مشاحة ، وكذلك الشخص المعاد نفسا وبدنا هو عين المبتدأ باعتبار ومثله باعتبار كما عرفت بيان ذلك كله فيما تقدم.
فإن قلت : قولك لو قالوا بفناء النفس واضمحلالها ، يشعر بأن لهم أن لا يسلموا ذلك ، مع أن الشرع قد دل على موت النفس بموت البدن ، كما ذكرت من الآيات الدالة عليه ، فكيف ذلك؟
قلت : هو كذلك ، فإن موت البدن وتلاشي أجزائه ، لما كان أمرا محسوسا ، لا يمكن إنكاره. وأما اضمحلال جوهر النفس وذاتها بموت البدن فلا دليل عليه ، وما ورد في الشرع من موت النفس ، فهو غير منحصر في اضمحلال ذاتها ، بل هو كما يمكن أن يكون كذلك ، يمكن أن يكون بقطع علاقتها الخاصة التي كانت لها بالنسبة إلى البدن ، كما هو على مذهب المحققين القائلين بأنها جوهر مجرد روحاني باق بعد خراب البدن ، ينقطع علاقتها عنه حين الموت ، ثم يعاد علاقتها به مرة اخرى حين البعث ، كما سيأتي بيان ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وأما الذين قالوا بأن النفس هي الأجزاء الأصلية من البدن الباقية من أول العمر إلى منتهاه ، وكذا بعد خراب البدن كما عده الفاضل الأحساوي أشهر مذاهب المتكلمين في النفس ، فالذي يلزم عليهم في معاد البدن ما يلزم في إعادة الجسم ، وأما في إعادة النفس فلا يلزم عليهم ذلك أصلا ، فإن المفروض على هذا المذهب عدم فنائها مطلقا ، بل إن تلك الأجزاء الأصلية باقية بمادتها وصورتها ، ومعنى المعاد عندهم أن يتكون من تلك الأجزاء الأصلية الباقية ، البدن بأجزائه الفضلية مرة اخرى ، كما خلق منها أول مرة.
وأما الذين قالوا بأن النفس هي الهيكل المحسوس المشاهد ، كما أسند القول به الفاضل الأحساوي إلى المتكلمين أيضا ، فهؤلاء الطائفة حيث إنه لا يظهر منهم القول بوجود نفس سوى البدن ، فإن الهيكل المحسوس هو نفس البدن ، يلزم عليهم في القول بمعادها ، ما يلزم على تقدير القول بمعاد البدن سواء.
وأما الذين قالوا بأن النفس عرض جسماني كالمزاج الواقع بين أجزاء البدن ، على ما أسندوا القول به إلى جالينوس ، أو التأليف والنسبة بين العناصر كما أسند الشيخ في الشفاء القول به إلى بعض القدماء ، أو الحرارة الغريزية أو البرودة الطبيعية كما أسند القول بهما إلى
Page 90