على تقدير تلك الأقوال المشهورة في الجسم ، وإن كان القولان الأولان المتقدمان باطلين ، والصحيح من هذه الأقوال والمذاهب أحد المذهبين الأخيرين ، أي مذهب الإشراقيين والمشائين ، وكان مذهب الإشراقيين أقرب إلى الصواب ، وتحقيق الحق في ذلك لا يناسب الباب.
ثم إنه قد بقي هنا مذهب آخر ، هو أيضا مبني على إثبات الجزء الصوري والجزء المادي للجسم ينبغي توجيه معاد البدن على تقديره أيضا ، وهو القول بأن الجسم موجود بتجدد الأمثال ، ففي كل آن يفنى ويحدث مثله ، لكن يشتبه على الحس فيظن أنه موجود بوجود واحد مستمر.
وهذا المذهب وإن كان باطلا لابتنائه على جواز الحركة في الجوهر والتبدل في ذات الشيء الموجود ، وهو باطل كما حقق في محله ، لكنه على تقديره أيضا لا يلزم انعدام البدن بالمرة ، لأنه عليه وإن كان تنعدم صورة الجسم وتتجدد آنا فآنا ، لكنه لا ينعدم جزؤه الآخر ، أي هيولاه ، بل هي باقية ، وانعدام صورته ليس بقادح أصلا على هذا المذهب ، إذ الجسم حين الوجود الأول المبتدأ أيضا كذلك ينعدم صورته آنا فآنا ، وتبقى مادته ، فلا ضير في أن يكون حين الإعادة كذلك.
وعلى هذا المذهب أيضا يكون البدن المعاد عين البدن المبتدأ بحسب المادة أي الهيولى وغيره أي مثله باعتبار الصور المتجددة كما هو حين الوجود المبتدأ المستمر كذلك.
ثم إن هذه العينية باعتبار ، والغيرية أي المماثلة باعتبار آخر اللتين ذكرنا أنهما لازمتان على تقدير القول بكل مذهب من المذاهب المقولة في الجسم ، كما أنهما لا يأبى عنهما العقل ، بل يدل عليهما كما عرفت ، كذلك هما مما لا يخالف النقل ، حيث إن ما ورد من الأخبار والآيات كالآيات المتقدمة الدالة على أن البدن الخاص الموجود في النشأة الدنيوية يعاد بعينه في النشأة الاخروية لعله إشارة إلى العينية باعتبار آي التي قد فصلناها على كل مذهب من تلك المذاهب ، وأن ما يدل منها على المماثلة كقوله تعالى : ( أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ). (1)
Page 87